لا تفوّتوا الفرصة
ثمة حالة من الفراغ السياسي، وضعف قنوات التواصل الإعلامي، وتحولات اجتماعية مقلقة. صحيح أنّ الانتخابات النيابية النزيهة لن تشكّل نهاية لتلك الحالة، لكنها خطوة مهمة وأساسية لزيادة مساحة التمثيل والقناعة باللعبة السياسية، وامتصاص الإحباط والاحتقان الاجتماعي، وتبادل الرسائل بين الدولة والشارع، كما لإعادة تقييم أولويات الدولة في موضوع الشباب والاقتصاد، ما يساعد على صياغة جديدة لرسالتها -أي الدولة- في زمن التفكك والانهيار الإقليمي العربي.
لذلك، من الضروري أن ينظر المسؤولون إلى الانتخابات المقبلة من زوايا أكثر أهمية من كونها استحقاقاً دستورياً مزعجاً. فهي فرصة حقيقية للدولة لحل العديد من المشكلات والأزمات، وإثبات حيويتها (الدولة) وقدرتها على التكيّف مع التطورات المختلفة، داخلياً وخارجياً.
الانتخابات فرصة لاستعادة الثقة بمؤسسات الدولة ومصداقيتها المهزوزة لدى الشارع، الذي أصبح على وقع الأزمة الاقتصادية الضاغطة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، أقرب إلى المزاج السلبي المحبط من الدولة، المشكك غالباً في سياساتها الاقتصادية ومشروع الإصلاح السياسي.
ولو أنّي في موقع القرار، لكنت شديد الحرص على إنجاح الانتخابات النيابية، والتأكيد على نزاهتها وحيادية الحكومة فيها، وفتح الباب أمام المعارضة السياسية والقوى المتعددة، بما فيها الحركة الإسلامية، للحصول على نسبة مهمة من المقاعد.
الجدل الذي يمكن أن يجري في البرلمان وفي الأوساط السياسية والنيابية، سيساعد على إنضاج قنوات التواصل بين الدولة والمواطنين فيما يخص الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، وإلا فإنّ البديل أخطر بكثير؛ وهو تجذير فجوة الثقة والمصداقية، وتعزيز القناعة لدى شريحة اجتماعية واسعة بالظلم، ولدى نسبة من الشباب العاطل عن العمل بعدم وجود ما يمكن أن يخسروه في حال قرّروا الصدام مع الدولة أو الخروج على الأعراف الاجتماعية والسياسية.
هذا وذاك يقودنا إلى أهمية مضاعفة للانتخابات المقبلة، تتمثل في التحولات الاجتماعية الأخيرة المقلقة، وهي مرتبطة بدرجة كبيرة بأمرين: الأول، الأزمة الاقتصادية والمالية (البطالة والفقر والضغوط على الطبقة الوسطى). والثاني، خيبة الأمل من الحياة السياسية والإصلاح. وأخطر هذه التحولات الاجتماعية تتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه وباء المخدرات، وانتشار الفكر المتطرف (الداعشي)، والتفكك الأخلاقي وانتشار ظواهر مرتبطة به، مثل الرشوة والفساد والتحلل الاجتماعي.
هل ثمّة علاقة بين الإصلاح السياسي والديمقراطية وبين تلك الأخطار والتحولات الاجتماعية والظروف الاقتصادية الصعبة التي مررنا عليها في الفقرات السابقة؟
أزعم ذلك؛ بل هناك علاقة قوية وفاعلة تصل إلى معادلة "المدخلات- المخرجات"، أي إنّ ما نشهده من ظواهر مقلقة وسلبية ناجم عن ضعف الديمقراطية والإصلاح السياسي وهشاشة المجتمع المدني.
لو كان هناك شعور قوي لدى المواطنين بوجود مجلس نواب قوي وقاعدة واسعة من التمثيل السياسي العادل، فإنّ ذلك سيفرّغ جزءاً كبيراً من شحنات الغضب والإحباط، وسيساعد على توضيح سياسات الدولة وترصيص النقاشات والسجالات والأعمال ضمن حدود "الملعب السياسي"، وقواعد اللعبة، وليس خارجها.
لكن إذا اختفى صوت المعارضة السياسية من البرلمان، فإنه سيظهر في المنتديات الاجتماعية وفي الصالونات السياسية وينتقل إلى الشارع. وإذ لم يكن الاحتجاج برفع الأيدي تحت القبة، فسيظهر عبر قذف الحجارة في الطرقات. وإذا كان المزاج المعارض، سابقاً، يعترض على سياسات الحكومة عبر "صندوق الاقتراع"، فإنّه إذا فقد الثقة بالعملية السياسية سيحتج عبر تأييد "داعش" أو الانضمام إليه!
( الغد 2016-08-01)