المواطن المجهول !!
اذا صحّ ما يقال بأن رواية السيّد الرئيس لـ استورياس منعت في اكثر من بلد عربي بسبب عنوانها، فقد كان من باب اولى منع رواية خريف الباتريارك لماركيز، وكذلك ليس للكولونيل من يكاتبه إضافة الى عشرات الكتب التي يمكن للرقيب ان يؤولها سياسيا كما يشاء، ولو كان عنوان الرواية السيد المرؤوس لمنعت ايضا، لأن المرؤوس تبعا لهذه الثقافة الباترياركية ليس سيدا على الاطلاق، بل هو مجرد رقم اصمّ في استمارة او قائمة باسماء الناخبين . وحكاية الثقافة العربية مع الرقيب طويلة ودرامية بقدر ما هي كوميدية، وعلى سبيل المثال منع الرّقيب في مصر فيلما بعنوان شيء من الخوف وهو مأخوذ عن رواية لثروت اباظة بحجة ان عتريس عمدة القرية المستبد يرمز الى الرئيس عبد الناصر، وعندما شاهد عبد الناصر الفيلم قال ان من حاولوا منعه هم الذين يفكرون بذلك، واطلق سراح الفيلم . وهناك حالات اساء فيها الرقباء الى من يتصورون بأنهم يدافعون عنهم تماما كما فعل الدب بصاحبه حين شج رأسه بحجر ثقيل ليقتل الذبابة . ان مجتمعات تكرر عبارة « بلا قافية « بعد الكثير من الجُمل خصوصا ما يستخدم فيها ضمير الغائب هي مجتمعات ثقافتها ملغومة بالريبة وسوء النية، والمسألة ذات صلة بجذور تربوية يكون فيها الآخر عدوا وحسودا الى ان يثبت براءته، لكنه فلّما يُثبتها ! ولو صدرت رواية عربية بعنوان السيد المرؤوس لأساء الناس فهمها وظنوا ان فيها خطأ مطبعيا، لأن المرؤوس حسب ثقافتهم عبد وليس سيدا، رغم انه ملايين البشر الذين تتشكل من حاصل جمعهم الاوطان، والى ان يعاد الاعتبار الى الانسان العادي الذي يكدح في صمت ويموت في صمت، ويدافع عن بلاده بلا اية شروط او أثمان، فإن ثقافتنا العربية ستبقى تعاني من خلل ينتج مثل هذه الافرازات المضادة للتاريخ والمنطق . وكما ان هناك جنديا مجهولا تشيد له الانصاب فإن هناك بالمقابل مواطنا مجهولا، تعج المقابر بأمثاله، وقد يكون بطلا لكن بمقاييس اخرى، ولعلّ هذا ما اراده مانديلا حين اوصى بأن يكتب على قبره « هنا يرقد رجل حاول القيام بواجبه ... وكفى !
(الدستور 2016-08-01)