ممّ تخاف؟!

تم نشره الثلاثاء 02nd آب / أغسطس 2016 12:15 صباحاً
ممّ تخاف؟!
محمد أبو رمان

برغم أنّ الأردنيين يشعرون اليوم بأهمية الأمن وقيمته التي لا تقدّر بثمن، مقارنةً بما يحصل في دول الجوار من كوارث إنسانية بتداعيات اجتماعية وثقافية وأخلاقية، فإنّ أي مراقب دقيق للشارع الأردني وهواجسه وأحاديث الناس لن يعجز أن يشعر بوجود حالة قلق شديد وخوف من المستقبل!

لماذا نجد كثيرين ممن يقول الواحد منهم: "أنا خائف"؟! سؤال جدير بأن يكون محلّاً للتفكير والبحث والفحص من قبل المسؤولين والباحثين والإعلاميين، وأن تُعقد حوله ورش عمل وتدار نقاشات، لمعرفة سرّ هذا الخوف الذي يؤثر -كما يزعم عدد كبير من تجار السوق- على حالة السيولة المالية وعلى الحركة التجارية عموماً وبيع العقارات، وهو -أي هذا الخوف- ينعكس على المزاج الاجتماعي ويعزز من نشر سيكولوجيا الإحباط والتوتر في أوساط اجتماعية.

لو حاولنا القفز إلى الفرضيات الرئيسة، وتجاوزنا المشهد المحيط في المنطقة (على ما فيه من فوضى وذبح ودمار هائل)، والذي له تأثيره بلا شك على "المزاج الاجتماعي"، بخاصة أنّنا -في الأردن- على بعد كيلومترات فقط من هذه الكوارث، وفكّرنا في الشأن الداخلي؛ فما هو أكثر ما يخيف الأردنيين ويخلق حالة الشعور بـ"عدم اليقين" (Uncertainty)، وفقدان ضمانات الأمان المستقبلي؛ هل هو الخوف من مشهد مماثل للدول العربية المجاورة مثلاً؟

ربما يبدو هذا السيناريو-الهاجس بعيداً عن الوقوع، لشروط موضوعية متعددة. ما هو شكل الخوف إذن، ومصدر تلك الهواجس؟

أظنّ أنّها جملة من الظواهر المتزامنة التي برزت خلال الأعوام الأخيرة، سواء عبر "وباء المخدرات" أو ازدياد المتأثرين بالفكر المتطرف، أو حتى تفكك السلطة الأخلاقية للدولة والمجتمع، ما ساعد على انتشار ظواهر التحلل الأخلاقي ونوعيات من الجرائم (معدل الجرائم قلّ في العام الأخير وفق أرقام الأمن العام)، مثل الرشوة على المستويات الدنيا، وأيضاً ضعف الثقة بمؤسسات الدولة.

ثمّة عوامل ومؤشرات متعددة تغطس وراء هذه الظواهر المقلقة. لكن ما أصبح، مؤخراً، مقلقاً بحقّ للمسؤولين والمواطنين على السواء، وبمثابة الكرة المتدحرجة التي تحتاج إلى تفكير عميق، هو الأزمة الاقتصادية؛ تلك التي أصابت موازنة الدولة، وتمثّل شبحاً للمسؤولين في كيفية التعامل مع ارتفاع المديونية والتحكم بالعجز، وفي الوقت نفسه ألقت بظلال كبيرة على المجتمع، وتتجلّى بالطبع أولاً بمعدل البطالة الآيل للارتفاع المستمر، واتساع الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة، ما يعني ضغوطاً شديدة على الطبقة الوسطى وارتفاع الأسعار، وعدم قدرة شريحة اجتماعية واسعة على التكيّف مع هذه الظروف الاقتصادية وبناء التوازن المطلوب، ما يؤدي إلى اختلالات اجتماعية وثقافية وأخلاقية، من بينها الآفات المذكورة السابقة.

بالطبع، الإصلاح الديمقراطي، الذي تحدّثنا عنه أمس، مفتاح ذهبي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية. لكنه بالضرورة لا يكفي أبداً، من دون رؤية اقتصادية استراتيجية لإيجاد حلول غير تقليدية للخطر الأكبر والأعظم الذي يواجه الأردن، وأحد أهم أسباب القلق الحقيقي، وأقصد هنا معدل البطالة المرتفع.

رئيس الحكومة د. هاني الملقي، وفريقه الاقتصادي، ومجلس السياسات الاقتصادية فوقهم، يدركون جيّداً هذه النقطة. لكننا بحاجة لأن نتحدث أكثر عنها إعلامياً وسياسياً وثقافياً، وأن نضع أيدينا على مصدر هذا الخوف الكبير لدى الشارع. فالأرقام الجديدة تتحدث عن 14.7 % كنسبة للبطالة بصورة عامة، وعما يزيد على 30 %، وفي بعض الأرقام تصل إلى 40 % نسبة البطالة لدى الشباب، أي إنّنا نجلس على بركان خطير اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وثقافياً.

هذا الجيل أطلق عليه د. عمر الرزاز "جيل الانتظار". وهو مصطلح من المفترض أن يكون مدار اهتمام الجميع، لأنّهم ينتظرون فرص العمل والحياة، وإن لم يجدوها سينتظرون ماذا؟!

(الغد 2016-08-02)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات