منطقة «عازلة» جنوب سوريا.. مَن هو «لَحْدْ» السوري؟
لم يحظ الخبر «المثير» الذي نشرته صحيفة «المونيتور» الاميركية مؤخراً, حول مباشرة اسرائيل العمل لاقامة منطقة عازلة (آمنة بالمعنى الاوضح) على حدودها مع سوريا في مساحة تسيطر عليها بعض فصائل المعارضة، بمتابعة أو اهتمام كبيرين ينسجمان وطبيعة وحجم وتوقيت ما تريد حكومة اليمين الفاشي في اسرائيل الذهاب اليه, وخصوصا ان الاوضاع الميدانية لم تَعُد كما كانت في السابق, ولم تعد المجموعات الارهابية المنتشرة في الجنوب السوري على تلك الدرجة من القوة او الفاعلية او التأثير في وقائع الايام السورية الدموية, بعد الضربات الموجعة التي تلقتها تلك المجاميع سواء في جنوب درعا وصولاً الى المناطق المتاخمة للجولان المحتل, ام في تضييق المساحات التي تسيطر عليها فصائل اخرى في غوطة دمشق الشرقية والاحتمالات الماثلة لانهيار فصائل المسلحين هناك, بعد الخلافات والمواجهات الطاحنة التي تمت بين جيش الاسلام وفيلق الرحمن وسقوط كل الاتفاقات وجولات التحكيم «الشرعية» بينهما.. دون إهمال ما يحدث في حلب الان والانهيار المتسارع في جبهات المسلحين بعد فشل محاولاتهم فك الحصار عن احيائها الشرقية, وبروز مؤشرات على ان المعركة الكبرى هناك في طريقها الى الحسم على نحو اسرع مما يتصوره او يتوقعه كثيرون.حيث مستقبل سوريا يُرسم في الشهباء الان.
واذا كانت الصحيفة الاميركية الشهيرة بأخبارها المُفاجِئة والمُستنِدة الى مصادر ودراسات وابحاث توفرها جهات عديدة في شأن تخصصها في قضايا الشرق الأوسط، قد افادت بان اسرائيل قطعت في الاجراءات التنفيذية مسافة متقدمة، وان شهر ايار المنصرم قد شهد اعلان إنشاء «وحدة ارتباط» اسرائيلية تتولى التنسيق مع السكان السوريين القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المسلحين السورية في جنوب البلاد, وانها وزّعت في شهر رمضان الماضي مساعدات على 35 قرية في المنطقة ذاتها، فاننا نكون بالفعل امام نسخة جديدة من تلك المنطقة العازلة او الامنية التي اقامتها في جنوب لبنان بعد عدوانها على لبنان في العام 1978 وواصلت دعم تلك الميليشيات التي قادها في البداية «الرائد» سعد حداد، ثم خلف «اللواء» انطوان لحد، الى ان نجح حزب الله في تحرير الجنوب في 25 أيار 2000، واجبار اسرائيل على «الهرب» في جنح الظلام، كأول انتصار عربي حاسم وغير مرتبط بمعاهدة سلام او اتفاق ذلّ او تنازلات مهينة، ما يعني ان اسرائيل لا تتعلم من اخطائها, وانها وقد هيمنت عليها ثقافة الاستعلاء والغطرسة ، غير معنية بأن تبقى داخل «حدودها» رغم تدخلها الوقح والمُعلن في الازمة السورية واسنادها مجموعات الارهابيين السوريين وفي مقدمتهم جبهة النصرة (حتى بعد ان تغير اسمها الى جبهة فتح الشام) وانها تريد الان الاستفادة من حال المراوحة التي تحكم مشهد المحادثات المتعثرة اصلاً التي ترعاها الأمم المتحدة والتي كشفت ضمن أمور اخرى ان هيئة المفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض لم تعد ذات صلة, او هي فقدت المكانة (المُصطنَعة, كما يجب التذكير) التي كانت عليها عند بدء المحادثات التي انتهت الى الفشل بعد انسحابها الذي ظنت انه مثابة ورقة «ضغط»، فإذا به اشبه ما يكون بمن اطلق الرصاصة على رِجْلَيه.
ما علينا..
عراب المنطقة الاسرائيلية الآمنة هو كمال اللبواني عضو المجلس الوطني السوري وعضو الائتلاف الذي حل محله ايضاً, والذي زار اسرائيل اكثر من مرة وخطب في منتدى هرتسليا وحلّ ضيفاً على الكنيست و»لحد» السوري هو الذي يقول للصحيفة الاميركية ان المنطقة الآمنة «المُوافق» عليها من قبل الاسرائيليين، تمتد مسافة عشرة كيلومترات داخل الاراضي السورية، بطول يصل الى 20 كيلو متراً على امتداد الحدود، بدءاً من قرية حَضَرْ الدرزية جنوب القنيطرة وتشمل اكثر من 17 قرية بمجموع سكان يصل الى 15 الف نسمة.. ولأن الخيانة باتت وجهة نظر لدى رهط المهرولين للتفاوض والتصالح والتطبيع مع اسرائيل, فإن «لحد السوري» يبرر لاسرائيل قول قادتها انهم يستخدمون «امنهم القومي» كذريعة امام المجتمع الدولي, وانهم يريدون حماية حدودهم وعقب ذلك - يقول لحد السوري على لسان اسياده الاسرائيليين - تستطيع الدول المجاورة لسوريا انشاء مناطقها الآمنة الخاصة بها».. (كذا).
وكي تبدو الأمور وكأنها محسومة ولم يعد السؤال هل؟ بل متى؟ فإن لحد السوري يزيد من طمأنته للاسرائيليين, بعد ان ضَمِن عدم معارضة واشنطن للمشروع العتيد هذا ويقول: أن السفير الاميركي في اسرائيل أخبره اثناء اجتماع معه ان الاميركيين «لن» يعارضوا المشروع، كما ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو لم يرفضه عندما تم تقديم «الاقتراح».. اليه.
بل يمضي «لحد السوري» خطوة اكثر تفصيلاً عندما «يزف» بشرى موافقة «الكنيست» على «اقتراحه» مُنوِهاً.. ان الاسرائيليين موافقون عليه «إن طَلَبَ السوريون ذلك» كاشفاً النقاب انه التقى مع عدد من المسؤولين الاسرائيليين البارزين ودبلوماسيين اجانب من أجل دفع «الفكرة».. الى الأمام.
هل قلتم ثورة سورية؟
أضحكتمونا حقاً، ما دامت تضم في صفوفها اللبواني وبسمة قضماني ومحمد علوش ونصر الحريري وجورج صبرا.. والمناضل الفذ ميشيل كيلو.
(الرأي 2016-08-02)