الإخوان وقبّة البرلمان!
من المتوقع أن يعلن حزب جبهة العمل الإسلامي (الممثل السياسي لجماعة الإخوان "الأمّ") عن قائمته شبه النهائية للانتخابات النيابية، خلال الأسبوع المقبل. وهي قائمة أصبحت شبه معروفة عبر التسريبات الإعلامية، ومن قبل المرشّحين أنفسهم.
يقرّ سياسيون، ومن بينهم رسميون، بأنّ قائمة الحزب أظهرت براعته الفائقة في "التكتيك الانتخابي"؛ إذ عمد هذه المرّة إلى تشكيل تحالفات وقوائم متنوعة، فيها مرشّحو "الكوتات" وألوان سياسية متعددة. وإلى الآن، لا يتجاوز عدد أعضاء "جبهة العمل" أو جماعة الإخوان في المرشحّين الثلث (ما تزال دوائر غير واضحة بعد)، في الوقت الذي تعاني فيه أغلب الأحزاب والقوى السياسية، وحتى الاجتماعية، مع عملية بناء القوائم الانتخابية واختيار المرشّحين وتجميعهم.
نظرياً، سينجح "الإخوان" في تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية كبيرة، في مقدمتها قدرتهم على التحكم بنتائج "الكوتات"، عبر قاعدتهم التصويتية العريضة؛ فمن يتحالف معهم من المسيحيين أو الشركس أو الشيشان أو النساء ستصبح فرصهم بالفوز كبيرة، هذا أولاً.
ثانياً، نجح "الإخوان" في "تعويم" معركتهم الانتخابية مع مؤسسات الدولة، عبر الزجّ بأعداد كبيرة من المرشّحين من خارج أعضاء "الجبهة"، ما يعني أنّ أي عملية تدخّل رسمي شبيهة بانتخابات سابقة ستخلق معركة بين الدولة وعشائر ومرشّحين من خارج رحم "الجبهة" و"الجماعة"، وليس فقط مع "الجماعة".
ينظر مهندسو الحملة الانتخابية للجماعة على أنّ معركتهم الرئيسة أو التحدي الأول أمامهم إثبات وجودهم وقدرتهم على الوصول إلى مقاعد البرلمان وتحقيق إنجاز انتخابي كبير، بعد الضربات المتتالية القاصمة التي تعرّضت لها "الجماعة"؛ سواء عبر حظرها قانونياً ومصادرة مراكزها، أو نتيجة الانقسامات والانشقاقات غير المسبوقة والخلافات العميقة في أوساطها.
لا شكّ أن هذه المشاركة الكبيرة المرتبطة بقاعدة تحالفات عريضة، تعطي الانتخابات نكهة سياسية جميلة، وتعيد الزخم المفقود لها. لكنّ النجاح الانتخابي ليس كل شيء، والفوز بأكبر عدد من المقاعد لا يمثّل التحدّي الرئيس للجماعة، حتى أصبح الهدف هو التجميع لأكبر عدد من المرشحّين، ولو من كل حدب وصوب، وبدت قوائم الجبهة أشبه بالمثل المصري "سمك لبن تمر هندي"، أي لا يجمع بينها أي رابط سياسي وأيديولوجي ولا حتى شخصي!
كان يمكن تقدير الجهد المبذول في بناء قائمة "الجماعة"، والاعتراف بقدرتها على جمع هذا العدد الكبير من المرشّحين السياسيين، من ألوان متباعدة ومتنوعة، لو كان هناك أي رابط سياسي برامجي أيديولوجي يمكن أن يجمع بينهم، لكن لا يوجد أي معنى ولا منطق يمكن أن يجمع علي العتوم (أقصى اليمين الإخواني) مع رائد قاقيش (إن ثبّت نزوله على قوائم الإسلاميين) وهو أقصى الليبرالية، أو عبدالله العكايلة الذي خرج من "الإخوان"، وكان يمثل أكثر قادتها براغماتية في تلك الفترات، وصالح العرموطي المعارض صاحب السقف المرتفع في خطابه السياسي!
ما الذي يمكن أن يربط بين مرشّحي "قوائم الإخوان" الناجحين بعد الانتخابات، أو حتى ما هو خطابهم في الحملات الانتخابية؟ في ضوء معرفتنا بخلفيات ومرجعيات وخطاب أعداد كبيرة من المرشّحين، فلا توجد أي أرضية مشتركة بينهم، تساعد على بلورة كتلة حقيقية في مجلس النواب، تمثل توجهاً إصلاحياً أو حتى محافظاً، لا سياسياً ولا في الموقف من السياسات الاقتصادية، ولا حتى في موضوع السجالات الحالية حول التدين والتطرف؛ فهناك في القائمة من يميل إلى الأفكار السلفية، والليبرالية حتى في وسط مرشحّي "الجماعة" أنفسهم!
أعتقد أن "الإخوان" أخطأوا في تحديد معركتهم وأولوياتهم، وكان من المفترض أن يتم التركيز على مرشّحين إصلاحيين ديمقراطيين، وبرنامج إصلاحي وطني؛ فهذا الذي فشلوا فيه في تجاربهم العربية، ولم يكن التحدّي الخطير أمامهم في أي وقت مضى كيف يصلون إلى قبة البرلمان!
(الغد 2016-08-04)