التشغيل بما هو دليل إلى المتاهة
صحيح أنه إذا كنا لم نرَ من الأسد إلا ذيله، تكون معرفتنا بالأسد محدودة بمشاهدة ذيله. لكن صحيح أيضا أن معرفتنا بذيل الأسد تدلنا عليه، وتطلق محاولات وأفكارا وتخيلات تقترب من الصواب أو توصلنا إليه. وتنطبق الملاحظة على التشغيل والبطالة بما هي تؤشر وتدلنا على المنظومة الاقتصادية الاجتماعية، ولكنها مؤشرات لا تمنح المعرفة الكافية.
يشير تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بإيجابية إلى الجهود الأردنية والتونسية منذ "الربيع العربي"، لبناء وتطبيق استراتيجيات وطنية شاملة للتشغيل، والاهتمام بسياسات السوق التي تركز على الشباب وتشغيلهم. لكنّ أمامنا طريقا طويلة لتسهيل حصول الشباب والمبادرين على المعرفة والتدريب والتمويل اللازم ومواجهة التمييز في الفرص، وأن تدعم المؤسسات العامة والخاصة هذه السياسات والأفكار.
يدعو التقرير إلى إقامة تجمعات صناعة مدعومة بالاستثمار العام، وبناء شبكات تزيد فرص الوصول إلى المعرفة والتكنولوجيا والمهارات، وتسهيل نقل وتبادل المعارف والمهارات. ويمكن، بناء على ذلك، اقتراح توجيه برامج التدريب المعرفي والتكنولوجي إلى الفقراء والمحافظات والبيئات الزراعية والمناطق البعيدة عن العاصمة والمدن، أو استهداف فئات محددة، مثل المزارعين وسائقي النقل العام والحرفيين، لأجل تطوير فرصهم ومهاراتهم، وتحسين التسويق.
ثمة تمييز غير مفهوم في توزيع ومنح رخص النقل العام. وسوف يكون لنقل هذه الرخص إلى السائقين أنفسهم بدلا من تحويلها إلى مصدر غير عادل للثروات بالنسبة للبعض، دور كبير في مساعدة عشرات الآلاف من المواطنين على امتلاك مشروعاتهم الخاصة والمستقرة. ويمكن مساعدة المزارعين والعاملين في مجال الزراعة بالمهارات والتقنيات الجديدة، وتطويرهم اتحاداتهم وجمعياتهم المهنية والتعاونية، لتكون قادرة على تعظيم الاقتصاد الزراعي وزيادة موارد المزارعين ومشاركتهم الاقتصادية والاجتماعية. ويمثل العاملون في القطاع غير النظامي حالة يجب الاهتمام بها؛ فهذه الفئة من العاملين هي الأكثر عرضة للمخاطر والصدمات، ولا تتمتع بحماية صحية واجتماعية تساعدها في الحياة وتقلل من الآثار السلبية لانقطاعها عن العمل في كثير من الأحيان. يمكن، على سبيل المثال، بناء قواعد بيانات وشبكات تواصل لتسهيل الربط بين العاملين والمحتاجين لخدماتهم وأعمالهم.
سيظل القطاع العام داعما رئيساً للتشغيل على نحو مباشر أو غير مباشر. وأولى السياسات الكبرى الداعمة هي التركيز على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتطويرها، ومنحها أولوية في الإنفاق. ويمكن أيضا القيام بدور إرشادي للقطاعات الاقتصادية المختلفة لأجل التشغيل، أو تطوير قدراتها وفرصها وبناها الأساسية، بما يمكنها من تطوير أعمالها وزيادة التشغيل.
معظم الناس، حتى اليوم، لا يستفيدون من الخدمات المصرفية الممكنة للتمويل وتطوير الأعمال. والواقع أن الأنظمة والخدمات المصرفية مصممة بشكل عام على نحو فيه كثير من الظلم والابتزاز للمواطنين، ويكونون عادة في حالة إذعان، وتكون البنوك هي المستفيد الأكبر؛ ففي أغلب الأحيان يكون المواطن متضررا أكثر مما هو مستفيد من البنوك، عدا أن مساهمة كثير من البنوك في الدور الاجتماعي محدودة ولا تكاد تذكر برغم أرباحها المستمرة المتزايدة، ويبدو أنها ما تزال محكومة بذاكرة منشئها القديمة، ولم تجد حاجة للانتقال إلى حالة من الشراكة والثقة والدور الاجتماعي.
(الغد 2016-08-04)