ترشيد الصدمات !!
من قالوا يبطل العجب اذا عرف السبب عبروا على نحو دقيق وعميق عن فلسفة لا يستهان بها هي ما اسميه ترشيد الصدمات، وما حدث وسوف يحدث في واقعنا العربي من صدمات متعاقبة سيؤدي حتما الى فقدان الرشد وبالتالي اللامبالاة، والسبيل العلمي لترشيد الصدمات هو علم المستقبليات الذي ما تزال علاقتنا به سرابية بحيث لا يمكن للظامىء ان يرتوي من السراب، والبديل لعلم المستقبليات في عالمنا العربي هو قراءة الطوالع والتنبؤات التي لا ترتكز الى اي اساس علمي، واحيانا تصبح العبارة الخرقاء ما يسقط من السماء تتلقاه الارض هي القاعدة الذهبية . والمستقبل حسب التعريف العلمي وبعيدا عن فقه التنبؤات وقراءة الفناجين هو حاصل جمع ممكنات الحاضر، تماما كما ان الموسم القادم للشجر هو حاصل ما تحمل من براعم، وقد تسبب غياب دراسات جادة تقوم على الاستنتاج وحشد القرائن في ان تكون الصدمات سواء كانت سياسية او اقتصادية، اشبه بالصواعق لأن الانسان ليس مهيئا للتأقلم معها ولا يوجد اي تمهيد ينذره بما سيحدث ! وسأضرب مثالا على ذلك، ففي نهاية القرن العشرين نشرت صحف ومجلات استطلاعات عن القرن الحادي والعشرين شارك فيها عشرات المثقفين العرب، وكان القاسم المشترك بينهم هو التفاؤل بما سوف تقدمه التكنولوجيا من حلول لمشكلات مُزمنة، ومنهم من قال ان العقد الاول من القرن الجديد سوف يشهد سلاما كونيا شاملا ويشهد ايضا حلولا جذرية لقضايا وصراعات سياسية، لكن العقد الاول من هذا القرن قدم تكذيبا صريحا لتلك التوقعات وما حدث هو انفجار الازمات وليس انفراجها ! وما يحدث في هذا العالم ليس نبتا شيطانية بلا جذور، بل هو حصاد مقدمات قابلة للاستقراء، لكن فلسفة الجَهْجَهون العربي التي تجعل الارض بانتظار ما سوف يسقط من السماء هي ما يجعل الصدمات صاعقة وتؤدي الى فقدان الرشد !
(الدستور 2016-08-10)