يوم غنت حلب «عَ الروزانا» !
كما للحب فإن للحرب أغانيها أيضًا الحزن وجه آخر للفرح كما الحرب وجه السلام الآخر. فمن اخترع السلاح لم يقصد أن يقتل الحياة بل أن ينقذها من الشريرين أعداء الحياة. في الحرب، الناس الذين لا يقاتلون ولا يُقتلون..يُغنّون. نعم يغنون ويرقصون أيضًا لكنه الغناء المر والرقص ألمًا كما زوربا. أذكر أن أمي حين كانت تغضب نسمعها تغني من الفلكور الشامي وتتحدث عن فترة الحكم العثماني للأمة العربية أغنية (سكابا) التي تقول كلماتها: سكابا يا دموع العين سكابا/تعي وحدك ولا تجيبي حدابا/ وإن جيتي وجبتي حدا معاك /لاهد الدار واجعلها خرابة / تركوني أنوح واشتكي زماني/ زماني والله بالهوى رماني / حبيب الروح ما ادري ليش جفاني/عفاني وراح خلفلي العذابا. لقد كانت الدولة العثمانية تفرض على العرب التجنيد الإجباري وترسلهم إلى معاركها التي خسرتها وخسر العرب أبناءهم في حرب ليست حربهم كما هو حالهم الآن. كانت الأغاني وسيلة لكتابة التاريخ بالغناء أو لنقل التعبير عن الألم بالموسيقى واللحن. ومن تلك الأغاني تلك التي تروي حكاية الباخرة (الروزنا) وقد تعددت الروايات حول أغنية (عالروزانا) التراثية الشامية الشهيرة في العالم العربي . وحكاية الأغنية حكاية كرم وشهامة تجار حلب مع تجار بيروت في وجه الحكم العثماني. تقول الحكاية الأشهر حول الأغنية إنه في أواخر حكم العثمانيين أرسلت تركيا باخرة إلى بيروت تحوي جميع أنواع المواد الغذائية لبيعها بسعر رخيص وزهيد جدًا بهدف المضاربة على تجار بيروت وإلحاق الضرر بهم وهذا ما كاد يحدث فعلاً حيث تكدست البضائع اللبنانية وكادت تتلف. وعندما سمع تجار حلب بأمر الباخرة التي تريد إلحاق الضرر بتجار بيروت ما كان منهم إلاّ أن اشتروا البضاعة منهم وأنقذوهم من الإفلاس. يذكر أن اسم الباخرة التركية التي كانت ستجلب الكارثة على تجار بيروت هو (الروزانا) وعربونًا للوفاء ولشكر أهالي حلب كتبت أغنية (عالروزانا) وقتها وامتدت إلى بقية بلاد الشام آنذاك (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن).تقول كلمات الاغنية : عالـروزنا عالـروزنا/ كل الهنا فــيـها/ شـو عملت الـروزنا/الله يجــازيـهــا/ يا رايحين عاحلـب/حبي معاكم راح/يامحملين العــنب/تحـت العنب تفاح. حلب الآن في قبضة الدمار من نار داعش والنصرة إلى القصف بالبراميل المتفجرة إلى قصف الطيران الروسي وبيروت تتصدع أهلها يجهزون الأرجيلة والتبولة والحبوب المهدئة تمهيدًا للعودة إلى ملاجىء الحرب الأهلية وهذه المرة ليس بانتظار أن (تنتهي الحرب) بل بانتظار التقسيم أو في أحسن الأحوال التقاسم ومن يدري حصة من تكون ضيعته ومدينته بحره وشاطئه وجبله. الأنفاق معتمة ولا ضوء إلا ضوء القنابل. وفي الغرف المغلقة ثمة جثة يتم تشريحها دولة دولة، طائفة طائفة، قسمًا قسمًا إنه التقسيم. جثة سوريا الآن في سان بطرسبيرغ على مائدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان .»القيصر» يريد حصة موسكو و «السلطان» يريد حصة أنقرة .الكاوبوي الأمريكي ضَمِن حصته وحصة إسرائيل.. و يراقب ما ستسفر عنه مباحثات «الكلبك» و»الطربوش».. أما العرب فلا عقلاء فيهم ولا «عقال» لهم !!
(الدستور 2016-08-10)