سائقو عجلات الموت
"تَهِيجُ الْمَرْكَبَاتُ فِي الأَزِقَّةِ. تَتَرَاكَضُ فِي السَّاحَاتِ. مَنْظَرُهَا كَمَصَابِيحَ. تَجْرِي كَالْبُرُوقِ" (سفر ناحوم - التوراة).
يقدم كتاب "سائقو عجلات الموت أو القيادة اللااجتماعية للسيارات"، تأليف روبرت ر. روس ودانيال هـ. انتونيوس، وترجمة أحمد عيد مراد، فرصة جيدة لفهم الظاهرة ودراستها. وفي الكتاب معالجات طريفة للظاهرة من حيث ارتباطها بحركة السير والنقل وأنظمتها، وعلم النفس وعلم الجريمة.
لقد تطورت أنظمة النقل -مثل القيادة الذاتية للسيارات، واستخدام الحزام والأكياس الهوائية، وتصميم السيارات وأجهزة التنبيه والمكابح والأجهزة الالكترونية متعددة الأغراض- لدرجة أن السيارات المطورة تمتنع عن الاستجابة والتشغيل إذا كانت نسبة الكحول في دم السائق تفوق الحد المسموح به. كما تحسين الطرق وتصميمها، وتطوير أنظمة المراقبة الأمنية. وبالطبع، فإن مهارات القيادة، والمعرفة بالأنظمة والقواعد، ضرورية؛ ولا يمكن منع أو تخفيف الحوادث من دونها. وقد يكون تدريس مهارات وقوانين المرور للمشاة والسائقين ضروريا في المناهج الدراسية والتعليمية، واعتبارها من مهارات الحياة الضرورية لكل مواطن. لكن تظل المشكلة الثقافية والاجتماعية مسؤولة عن معظم حوادث وأزمات المرور؛ فالدراسات تظهر أن 90 % من حوادث المرور سببها أخطاء السائقين وانتهاكهم لقواعد وأنظمة القيادة.
يشير بعض الباحثين إلى أن كثيراً من السائقين يشعرون وهم في سياراتهم بأنهم في خلوة. وبذلك، فإن قيادة السيارات تعكس العقل الباطن؛ فالإنسان في سيارته يشعر بقدر من الحرية والخصوصية تجعله يتصرف على سجيته، وكما يملي عليه وعيه أو عقله الباطن. ويبدو أن الحل الأمثل لأزمات القيادة وحوادث المرور هو أن يعيد الإنسان، كل إنسان، تشكيل نفسه على نحو يجعل باطنه مثل ظاهره، وان يكون باطنه متسامحا ولا يدع مجالا لطاقة أو مشاعر سلبية أن تبقى في جوفه. والحال أن كثيرا من المواقف والإشارات ولغة الجسد تعكس العقل الباطن، وتظهر لاوعي الإنسان أو ما يكتمه "وإن خالها تخفى على الناس".
ومن الملفت أن بعض الناس (وهذه ليست ظاهرة أردنية) يتصرفون على نحو بالغ اللياقة والدماثة في حياتهم اليومية، ولكنهم يسوقون سياراتهم بطريقة لااجتماعية، ويتخلون عن القواعد والآداب الاجتماعية التي تحكم علاقاتهم بمن حولهم. وفي علم الجريمة، فإن باحثين يربطون بين أسلوب القيادة ونزعات شخصية تشجع على الجريمة، مثل التهور وعدم تقدير المخاطر والعواقب، والميل إلى الإثارة والمغامرة، وعدم الواقعية في التفكير، والمغالاة في تقدير الذات.
وبالطبع، فإن كثيرا من الأخطاء ليست متعمدة حتى عندما تؤدي إلى الحوادث؛ فقيادة السيارات، وبخاصة لفترة طويلة، تتطلب قدرة على التركيز والملاحظات المعقدة والمتعددة في وقت واحد، لكن كما يقول ج. جينكر: "نحن نخطئ لأننا بشر. ولكن إذا نفدت ممحاة القلم قبل رصاصه نكون قد تجاوزنا الحد".
(الغد 2016-08-11)