القيصر والسلطان .. عواطف وغاز ومياه دافئة !
عندما اقلعت طائرة الرئيس التركي اردوغان وحلقت باتجاه الاجواء الروسية ، لا اعتقد أن الرئيس التركي كان قادرا على النوم في رحلة الذهاب رغم الاجواء المريحة ، لأن تفكيره مشغول بتفاصيل اللقاء مع الرئيس الروسي بوتين ، في أول رحلة له بعد فشل الانقلاب ، وبعد مرحلة من العلاقات بين موسكو وانقرة متوترة جدا ، ومغلفة بسحابة الصيف الملتهبة .
ولكن في رحلة العودة نام اردوغان بعمق ، في حين راودت مخيلته الاحلام الوردية باعادة العلاقات الى سابق عهدها وأكثر ، وبعد سيل من تبادل عبارات الغزل بين الرئيسين المتشابهين في اسلوب تبادل السلطة في بلديهما . اضافة الى أن كل واحد منهما يحتاج الى مثل هذا التطبيع والود والمنفعة المتبادلة بين البلدين ، خصوصا في هذا الوقت بالذات ، الذي تعاني فيه تركيا من العزلة الدولية ، بسبب قضية اللاجئين ، وبسبب انتقادات اوروبا واميركا والمجتمع الدولي على ردة الفعل القاسية ، لدرجة المبالغة ، بعد فشل الانقلاب ، وانتزاع الرئيس اردوغان لكل السلطان وتعطيل دور المؤسسات في الدولة ، وفرض خناق على حرية التعبير .
اما بالنسبة للواقع الروسي ، فالوضع يشبه الحالة التركية الى حد بعيد ، بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ، وهو الواقع التي نجحت روسيا الى حد ما بالتأقلم معه والتعايش مع نتائجه ، ولكن اندفاع موسكو العسكري ، والمشاركة في الصراع داخل سوريا ، شكل عبئا ماليا واقتصاديا اضافيا على الحكومة الروسية . لذلك بذل الرئيس بوتين كل جهوده ، ولا يزال ، لكسر الحصار والتغلب على ارتداداته الاقتصادية والاجتماعية ، وبالتالي ايجاد حل سياسي للمسالة السورية ، وعدم التوغل اكثر في الصراع ، خصوصا بعد عودة روسيا الى المياه الدافئة في المتوسط .
يضاف الى كل ما سبق ، وجود مصالح اقتصادية كبرى بين روسيا وتركيا ، أولها بناء 4 مفاعلات نووية بكلفة 22 مليار دولار ، ومشروع غاز السيل التركي بقيمة 16 مليار دولار ، والسعي الى زيادة التبادل التجاري ليصل الى سقف 100مليار دولار سنويا ، وتنشيط حركة السياحة بين البلدين ، مع التذكير بان آخر احصائية تبين أن أكثر من اربعة ملايين سائح روسي ارتادوا المنتجعات التركية في عام واحد .
الحقيقة أن قطع العلاقات بين البلدين ، وحالة التوتر وصلت الى ذروتها اكثر من مرة عبر التاريخ ، بل اشتعلت الحروب بينهما في صراع المصالح ، والخلافات حول عبور الاساطيل الروسية الى المياه الدافئة عبر المضائق التركية ، منذ عهد بطرس الأكبر حتى اليوم . لذلك لا أعتقد أن الرئيس اردوغان المهتم بسيرة الامبراطورية العثمانية لدرجة التعصب ، والذي قرأ وحفظ تاريخ بلاده جيدا ، قد تجاهل هذا التاريخ ، أو تجاوزه ، وهو يجلس حول طاولة التفاوض مع الرئيس بوتن ، الذي يحفظ تاريخ بلاده باعتزاز ايضا .
لذلك كان من الصعب على القائدين ، القيصر الروسي والسلطان العثماني ، تجاوز كل التعقيدات ، وحل كل المشكلات ، رغم تبادل عبارات الغزل الحميمة بين الرئيسين ، حيث خاطب بوتين ضيفه بعبارة « الرئيس التركي المحترم « ورد عليه اردوغان بعبارة « صديقي العزيز الرئيس بوتن « . اقول ان رغم الحفاوة وتبادل قلائد بهاء الكلمات وجمال التعبير عن العواطف المتبادلة ، وحاجتها في هذه المرحلة الحاسمة والوقت المشترك الصعب ، الا ان الرئيسين لم يعلنا عن توصل الى اتفاق حول حل الازمة السورية «عقدة الحل « ومفترق طرق العلاقات .
ما اعلنه الرئيس الروسي كان اكثر صراحة ووضوحا ، حين تحدث عن خلاف في وجهات النظر بين الطرفين حول المشكلة السورية ، ولكن الطرفين اتفقا على ضرورة ايجاد حل ديمقراطي في سوريا . الحقيقة انني لا اعتقد أن الملف السوري كان حاضرا غائبا الى هذه الدرجة ، وبهذه البساطة ، وما اظنه أن الملف السوري شكل عمق المباحثات بين الرئسين ، ولكن ظلت النتائج غائبة عن الاعلام ، لأن تركيا وحدودها المفتوحة تشكل الخندق الاول المتقدم في الحرب على الارهاب ، واغلاق الحدود ، وتجميد الدور التركي ، ووقف الدعم والاسناد للتنظيمات المسلحة ، من اهم شروط الانتصار على الارهاب .
(الرأي 2016-08-11)