القيصر والسلطان .. عواطف وغاز ومياه دافئة !

تم نشره الخميس 11 آب / أغسطس 2016 12:24 صباحاً
القيصر والسلطان .. عواطف وغاز ومياه دافئة !
محمد كعوش

عندما اقلعت طائرة الرئيس التركي اردوغان وحلقت باتجاه الاجواء الروسية ، لا اعتقد أن الرئيس التركي كان قادرا على النوم في رحلة الذهاب رغم الاجواء المريحة ، لأن تفكيره مشغول بتفاصيل اللقاء مع الرئيس الروسي بوتين ، في أول رحلة له بعد فشل الانقلاب ، وبعد مرحلة من العلاقات بين موسكو وانقرة متوترة جدا ، ومغلفة بسحابة الصيف الملتهبة .

ولكن في رحلة العودة نام اردوغان بعمق ، في حين راودت مخيلته الاحلام الوردية باعادة العلاقات الى سابق عهدها وأكثر ، وبعد سيل من تبادل عبارات الغزل بين الرئيسين المتشابهين في اسلوب تبادل السلطة في بلديهما . اضافة الى أن كل واحد منهما يحتاج الى مثل هذا التطبيع والود والمنفعة المتبادلة بين البلدين ، خصوصا في هذا الوقت بالذات ، الذي تعاني فيه تركيا من العزلة الدولية ، بسبب قضية اللاجئين ، وبسبب انتقادات اوروبا واميركا والمجتمع الدولي على ردة الفعل القاسية ، لدرجة المبالغة ، بعد فشل الانقلاب ، وانتزاع الرئيس اردوغان لكل السلطان وتعطيل دور المؤسسات في الدولة ، وفرض خناق على حرية التعبير .

اما بالنسبة للواقع الروسي ، فالوضع يشبه الحالة التركية الى حد بعيد ، بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ، وهو الواقع التي نجحت روسيا الى حد ما بالتأقلم معه والتعايش مع نتائجه ، ولكن اندفاع موسكو العسكري ، والمشاركة في الصراع داخل سوريا ، شكل عبئا ماليا واقتصاديا اضافيا على الحكومة الروسية . لذلك بذل الرئيس بوتين كل جهوده ، ولا يزال ، لكسر الحصار والتغلب على ارتداداته الاقتصادية والاجتماعية ، وبالتالي ايجاد حل سياسي للمسالة السورية ، وعدم التوغل اكثر في الصراع ، خصوصا بعد عودة روسيا الى المياه الدافئة في المتوسط .

يضاف الى كل ما سبق ، وجود مصالح اقتصادية كبرى بين روسيا وتركيا ، أولها بناء 4 مفاعلات نووية بكلفة 22 مليار دولار ، ومشروع غاز السيل التركي بقيمة 16 مليار دولار ، والسعي الى زيادة التبادل التجاري ليصل الى سقف 100مليار دولار سنويا ، وتنشيط حركة السياحة بين البلدين ، مع التذكير بان آخر احصائية تبين أن أكثر من اربعة ملايين سائح روسي ارتادوا المنتجعات التركية في عام واحد .

الحقيقة أن قطع العلاقات بين البلدين ، وحالة التوتر وصلت الى ذروتها اكثر من مرة عبر التاريخ ، بل اشتعلت الحروب بينهما في صراع المصالح ، والخلافات حول عبور الاساطيل الروسية الى المياه الدافئة عبر المضائق التركية ، منذ عهد بطرس الأكبر حتى اليوم . لذلك لا أعتقد أن الرئيس اردوغان المهتم بسيرة الامبراطورية العثمانية لدرجة التعصب ، والذي قرأ وحفظ تاريخ بلاده جيدا ، قد تجاهل هذا التاريخ ، أو تجاوزه ، وهو يجلس حول طاولة التفاوض مع الرئيس بوتن ، الذي يحفظ تاريخ بلاده باعتزاز ايضا .

لذلك كان من الصعب على القائدين ، القيصر الروسي والسلطان العثماني ، تجاوز كل التعقيدات ، وحل كل المشكلات ، رغم تبادل عبارات الغزل الحميمة بين الرئيسين ، حيث خاطب بوتين ضيفه بعبارة « الرئيس التركي المحترم « ورد عليه اردوغان بعبارة « صديقي العزيز الرئيس بوتن « . اقول ان رغم الحفاوة وتبادل قلائد بهاء الكلمات وجمال التعبير عن العواطف المتبادلة ، وحاجتها في هذه المرحلة الحاسمة والوقت المشترك الصعب ، الا ان الرئيسين لم يعلنا عن توصل الى اتفاق حول حل الازمة السورية «عقدة الحل « ومفترق طرق العلاقات .

ما اعلنه الرئيس الروسي كان اكثر صراحة ووضوحا ، حين تحدث عن خلاف في وجهات النظر بين الطرفين حول المشكلة السورية ، ولكن الطرفين اتفقا على ضرورة ايجاد حل ديمقراطي في سوريا . الحقيقة انني لا اعتقد أن الملف السوري كان حاضرا غائبا الى هذه الدرجة ، وبهذه البساطة ، وما اظنه أن الملف السوري شكل عمق المباحثات بين الرئسين ، ولكن ظلت النتائج غائبة عن الاعلام ، لأن تركيا وحدودها المفتوحة تشكل الخندق الاول المتقدم في الحرب على الارهاب ، واغلاق الحدود ، وتجميد الدور التركي ، ووقف الدعم والاسناد للتنظيمات المسلحة ، من اهم شروط الانتصار على الارهاب .

(الرأي 2016-08-11)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات