لم يعد هناك ملاذ!
مخنوق هو الانسان العربي، بكل ما تعنيه الكلمة، مخنوق في دياره، وفي ارض العروبة، وفي كل مكان في العالم، والخنق يشتد يوما بعد يوم. كان الانسان العربي سابقا، يتخير ويتدلل بين دراسته في بلده، او الذهاب الى اي بلد عربي او اجنبي، والامر ذاته ينطبق على فرص العمل، فإما أن يعمل في دياره بشكل متوسط يكفيه حاجته ولو جزئيا، أو يسافر او يهاجر الى اي بلد عربي او اجنبي. اليوم، كل البيئات المحلية العربية، مدمرة على الاغلب، اما بحروب دموية لاعتبارات مختلفة، او بانهيارات اقتصادية، او بغلاء قاتل، وكأن الارض تطرد من عليها، والطالب الراغب بالدراسة او الباحث عن عمل يحتار اذا ما قرر هجر بيئته المحلية السيئة، لان كل من حوله وحواليه يعانون اكثر منه، والافق يضيق بشكل واضح في كل مكان، حروب وفساد وغلاء وانعدام للفرص وديون فردية وجماعية، ومنافسة كبيرة على ما تبقى من رغيف خبز المنطقة الناشف. اذا تطلع العربي اليوم الى الهجرة، يواجه الاشكالات ذاتها، فالغرب لايرحب به، وهو مشكوك به، لانه في نظرهم قد يتحول الى داعشي في ليلة، هذا فوق المصاعب الاقتصادية التي تعصف بالغرب ووصلت كندا واستراليا وكل مكان، فهي هجرات غير متاحة اصلا، واذا اتيحت، لا تأتيك براسمالها، واسالوا كل المهاجرين الى اوروبا واميركا واستراليا وكندا عن ظروفهم، وسوف تسمعون منهم كلاما مهما عن التراجعات الاقتصادية الصعبة جدا، وعن العرب المنبوذين في المطارات وفي هذه الدول، لاعتبارات كثيرة. لا تجد تفسيرا لهذا المشهد، فضيق افق العربي يواجهه في كل مكان، في بلاده، وخارج بلاده، والمثير هنا، ان اغلب الدول العربية ثرية لاعتبارات مختلفة، لكن شعوبها تشحذ الملح والخبز، وتغمس الخبز بالدم في مرات، هذا فوق الظاهرة الاهم، التي تقول ان استقرار اي بلد عربي، ليس نهائيا، فهو استقرار مؤقت، وقيد الانتظار، وقد تنام آمنا وتصحو على وقع فوضى او انقلاب او ثورة او انهيار اقتصادي. هذه ليست صورة متشائمة، لكن هذا هو الواقع الذي قد ينكره كثيرون، وكل المؤشرات تثبت ان ما هو مقبل اصعب واسوأ بكثير مما مر علينا، لان كل المؤشرات تتحدث عن هدم اضافي، وليس عن اعادة بناء، وعدوى الهدم باتت ممتدة، فمن لم يسقط بحرب اهلية، سقط بالفقر او القمع او الغلاء او الانهيار الاقتصادي. ما يمكن قوله اليوم، ان العربي لم يعد لديه ملاذ آمن، وكل ملاذ آمن مؤقت بطبيعته، وكأن هذه الارض تنبذ الانسان العربي، الذي خرج من «مولد الكون بلا حمص» فلا دين كما يفترض، ولا علوم ولا دنيا ورفاه، والاخطر ان كل الحسابات الرقمية التي نفر اليها، يثبت عدم صحتها، وليس ادل على ذلك، من اننا نقامر ونراهن على المستقبل، باعتباره قد يجلب املا، ونحن نرتكب المقامرة هنا، في عز خلو جيوبنا من اي شيء. تتبدى المفارقة في ان اي بلد يصله العرب، يخرب فجأة، واي بلد يتضامن مع قضايا العرب، تحل عليه اللعنات، والادلة على ذلك كثيرة. ليس اسهل من الهروب الى الامل، لكن حتى الامل، بحاجة الى بنية رياضيات، تثبت لك انه محتمل، وغير ذلك تكون كل القصة، استهلاكا اضافيا للوهم، فتشعر ان هذا الكوكب يريد ان يقول لك ولغيرك ان صلاحيته انتهت، وقد بدأ فعلا بنبذ الشعوب الاضعف، وصولا الى الاقوى في وقت لاحق، او على الاقل سحق الاضعف، لصالح الاجدر بالبقاء. ثم اننا لا نجلد ابناء قوميتنا، لكننا نريد اجابة عن السؤال: لماذا يتم دفننا ونحن احياء؟!.
(الدستور 2016-08-13)