ترامب إذ يواصل إمتاع البعض.. وتخويف آخرين!!
الحق أن متابعة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، تنطوي على متعة تشبه إلى حد كبير متعتنا بمتابعة القذافي؛ بخاصة أيام انعقاد القمم العربية، فهو يمنح المتابع قدرا من المتعة، وغالبا بما يقدمه من مفاجآت للجمهور، ومن يتابعون أخباره. لم يُفاجأ كثيرون حين نشر ناشطون قبل أيام مقطعا لترامب وهو يؤدي دور “كومبارس” في فيلم أمريكي عام 1992، فهو للأمانة يستحق أن يلعب أدوار الكومبارس في الأفلام، لكن أن يغدو رئيس أكبر دولة في العالم، فتلك حكاية أخرى. حتى الآن، لا يعرف كيف سكت قادة الحزب الجمهوري على حصول ترامب على بطاقة ترشيح الحزب. هل كانوا يتوقعون ذلك بالفعل، أم أن الأمر برمته كان مفاجأة؟ لا إجابة واضحة على هذ السؤال، لكن عشرات التصريحات والمواقف من قادة جمهوريين تحذر من خطورة الرجل؛ لا زالت تشير إلى أن الأمر ربما كان مفاجئا بهذا القدر أو ذاك. لا يتعلق الأمر في حالة ترامب بتلك التصريحات العنصرية بحق المسلمين، أو بحق الدول العربية؛ وبخاصة الخليجية، التي كرر مرارا أن عليها أن تدفع الأتاوات لأمريكا (وأن لا شيء لديها سوى المال)، بل يتعلق بمجمل التعليقات السياسية التي تتناقض مع المنطق والعقل. في آخر تجلياته قبل أيام، قال ترامب إن أوباما هو “مؤسس الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”، وبعد تكرار المقولة مرات عدة لتأكيد جديتها، أضاف أن “الشريكة في التأسيس هي هذه المحتالة هيلاري كلينتون”!! هل قال مستشاروه له قبل إلقاء الخطاب إن تنظيم داعش كان موجودا قبل مجيء أوباما إلى السلطة، وإنه جاء ردا على الغزو الأمريكي للعراق، حيث كان تنظيما باسم “التوحيد والجهاد”، ثم انضم لتنظيم القاعدة، ثم حصل الخلاف والفصال بعد ذلك بعشر سنوات تقريبا؟! ربما أخبروه، وربما لم يفعلوا، لكن أقل المطلعين على الشأن السياسي يعرفون ذلك، ولو تتبعنا هرطقات الرجل، لتعبنا، وآخرها تلويحه الضمني باستخدام العنف ضد كلينتون لدى حديثه لمؤيدي اقتناء للسلاح في الولايات المتحدة. لسنا خائفين من ترامب، أعني كعرب ومسلمين، فالرئيس في الولايات المتحدة ليس مطلق اليدين كي يفعل ما يشاء. هذا بفرض أنه سيفوز بالفعل، مع أن أكثر المؤشرات تقول إن منافَسته لكلينتون كانت مقصودة من الدولة العميقة لأن هناك توجها بأن تحكم أمريكا امرأة هذه المرة، وللمرة الأولى في تاريخها، وذلك بعد أن حكمها أسود لأول مرة أيضا، وبالتالي فإن منافستها من قبل رجل كهذا، سيجعل الأمر سهلا ومضمونا بالنسبة إليها. لسنا خائفين من ترامب، بل ربما كان أفضل بالنسبة إلينا، لأنه سيعيد تأكيد مسار التراجع لهذه الإمبراطورية التي كانت أمتنا أكثر من دفع الأثمان الباهظة جراء تفردها بالمشهد الدولي، ولا زال يدفع ثمن عدوانها في مناطق كثيرة، وعموما، فإن القائد الأرعن للعدو هو أفضل من القائد العاقل، وحتى لو بدا أنه أكثر جرأة في تأييد الكيان الصهيوني من أي زعيم آخر، فإن الثابت أن الصهاينة صاروا من القوة في أمريكا، بحيث لا يجرؤ أي رئيس، ومن أي حزب على الصدام معهم. لعل ذلك هو ما يفسر فرح بوتين بترامب، وتمنيه أن يكون ترامب هو الرئيس القادم، ليس لأنه يحبه كما يقال، أو لأنه عميل كما يُشاع، بل لأنه يدرك أن قائدا بهذا المستوى من الرعونة لأمريكا هو الأفضل لكل منافسيها. أمريكا اليوم لم تعد هي أمريكا التسعينات، أو مطلع الألفية الجديدة، والكل يدرك ذلك، ربما باستثناء بعض العرب الذي لا يزالون يؤمنون على طريقة السادات بأن 99 في المئة من الأوراق بيدها!!!
(الدستور 2016-08-13)