اتفاق مصر والصندوق
عندما تفقد العملة المحلية 10% من قيمتها خلال شهور قليلة ، وعندما يرتفع الدين العام المحلي إلى 25ر2 تريليون جنيه ، ويرتفع الدين الأجنبي إلى 53 مليار دولار ، ويصل عجز الموازنة العامة إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي ، وتأكل خدمة الديون (اقساط وفوائد) 30% من الإنفاق العام ، ويرتفع معدل التضخم إلى 15%. عندما تصل الاوضاع المالية والاقتصادية إلى هذه الحالة ، فلا مناص من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ، وهذا ما حصل في مصر بعد تردد طويل.
خلال أيام معدودة من وصول وفد الصندوق أمكن الإعلان عن اتفاق عاجل بين مصر والصندوق على تقديم قرض بمبلغ 12 مليار دولار ، وقد استغرب البعض السرعة والسهولة التي تم بها ذلك ، بسبب عدم توفر المعلومات.
الحقيقة أن ما تم الإعلان عنه ليس سوى اتفاق مبدئي على القرض ، على أن لا يبدأ العمل به إلا بعد أن تقدم مصر برنامجاً للإصلاح الاقتصادي مقنع للصندوق. وليس من المتوقع أن يتم ذلك قبل نهاية هذه السنة.
في العموميات أن برنامج الإصلاح الاقتصادي سوف يستهدف تنظيم سوق الصرف ، تخفيض عجز الموازنة ، تخفيض المديونية ، رفع معدل النمو الاقتصادي ، وخلق فرص عمل. وهذه عبارات مألوفة لنا ، ولا تثير خلافاً ، فالمهم هو الإجراءات الواجب اتخاذها لتحقيق هذه الأهداف.
من الناحية الشكلية يفترض أن البلد المعني هو الذي يضع برنامج الإصلاح. ويبدو أن المسؤولين المصريين يأخذون هذا المبدأ مأخذ الجد ، إعلامياً على الأقل ، ويؤكدون أن البرنامج سيكون مصرياً 100% ، وأن الصندوق لن يفرض أية شروط على مصر!.
من الناحية العملية فإن قرض الصندوق مشروط. وتستطيع السلطات أن تكتب برنامج الإصلاح ، ولكن وفق متطلبات صندوق النقد الدولي ، وأكثرها معروف سلفاً ولا خيار فيه ، ومن المؤكد أنه سيشمل إجراءات صعبة وغير مقبولة للشارع المصري الذي جرى تشكيله على أساس أن للناس حقوقاً على الدولة وليس عليهم واجبات تجاهها ، وأن على الحكومة أن تلبي الطلبات بصرف النظر عن التكاليف والإمكانيات.
مصر تأخرت كثيراً في قرع أبواب الصندوق ، ولكن أن تأتي متأخراً خيرا من أن لا تأتي أبداً.
(الرأي 2016-08-15)