مجرد خبر قصير!
هذا هو نصّ الخبر على موقع "بي. بي. سي" العربي:
"قدمت وزيرة التعليم العالي السويدية استقالتها من الحكومة بعد أن أوقفتها الشرطة أثناء قيادة سيارتها تحت تأثير الكحول. وقالت الوزيرة عايدة هادزياليتش في مؤتمر صحفي السبت إن الشرطة أوقفتها مساء الخميس في مدينة مالمو وأجرت لها تحليلا للدم أثبت وجود كحول بنسبة 0.02 في المئة وهي نسبة غير قانونية في السويد. وأصبحت هادزيالتيش، المولودة في البوسنة والهرسك، أول وزيرة مسلمة في الحكومة السويدية التي تولت السلطة في العام 2014. وتواجه هادزياليتش عقوبة السجن 6 أشهر. وتحدثت الوزيرة البالغة من العمر 29 عاما مع رئيس الوزراء ستيفان لوفين عن "غلطة عمرها"، في إشارة إلى الواقعة، قبل أن تعلن استقالتها من الحكومة".
أعرف تماماً أنّك مللت من الحديث عن الفرق بيننا وبينهم، والمقارنات الجائرة، وعن ثقافة الاستقالة وتحمل المسؤولية الغائبة تماماً عن "مسؤولينا"، لكنّ الخبر فيه أكثر من ذلك!
أولاً، الشرطة توقف وزيرة (مش أمين عام ولا مدير) وتجري لها فحصاً لنسبة الكحول في الدم، ويتم اكتشاف أنّ نسبة الكحول تصل إلى 0.02 %؛ فلا شخص أعلى من القانون، ولا وساطات، ولا تدخّلات، ولا مؤامرات! المسألة بسيطة جداً، مخالفة للقانون وتحمل مسؤولية أدبية وأخلاقية، بالإضافة إلى المسؤولية القانونية، فالاستقالة من الموقع، مع الاعتذار للشعب.
ثانياً، الوزيرة هي أصلاً لاجئة من البوسنة والهرسك، جاءت مع عائلتها هرباً من المذابح المعروفة هناك، وهي صغيرة. ثم تم اختيارها نائباً لرئيس البلدية التي هربت إليها، وهي صغيرة. ثم أصبحت وزيرة في الحكومة السويدية الجديدة. أي إنّها لاجئة من بلدٍ آخر، ولم تخرج الأصوات التي تتحدث عن الخوف على هوية السويد الوطنية من اللاجئين، بخاصة أنّنا نتحدث هنا عن امرأة هويتها مسلمة ومن عائلة مسلمة. كل ذلك تلاشى أمام معيار الكفاءة والحرص على الاستفادة من الطاقات الإنسانية، وقيم الدولة والمجتمع المتسامح والهوية المنفتحة على الآخر.
ثالثاً، عمر الوزيرة حالياً 29 عاماً، وتولت حقيبتها قبل ذلك. أي لم تبلغ الثلاثين، وبالرغم من ذلك هي وزيرة في الحكومة السويدية، فيما لا تكاد تقارن نسبة الشباب في السويد بالعالم العربي الذي يفيض بالشباب الباحث عن بداية الطريق، أو تحصيل أقل القليل؛ ليس حقيبة وزارية أو منصباً حكومياً كبيراً، بل وظيفة في قطاع خاص أو حكومي.
كم أتمنى أن نقف فعلياً عند هذه الأخبار وندخلها في مناهجنا التعليمية، سواء في المدارس أو حتى الجامعات، فمثل هذا الخبر كفيل بحدّ ذاته، مع تحليل بسيط لمضمونه، أن يغرس لدى طلبتنا/ شبابنا القيم الحضارية المطلوبة والطاقة الإيجابية، وأن يعزز عزيمتهم إزاء التحديات والأزمات التي يواجهونها، وأن يرشدهم إلى الطريق الصحيحة، حتى وإن كانوا غاضبين ومحتجين على الواقع، فالبديل ليست نماذج مثل "داعش" و"النصرة"، بل الديمقراطية والحاكمية والحرية والتعليم والمستقبل؛ وليس الانغلاق ضد الآخر والتقوقع حول هويات متوهمة منغلقة، بل دولة الكفاءات والقانون والتسامح والهويات المنفتحة.
كمّ مؤتمرا عُقد في الأردن عن الإرهاب والتطرف خلال الشهر الحالي فقط؟! وكم خطة موّلت من المؤسسات الدولية والغربية والحكومة الأردنية لمجتمعين في فنادق بلا أي حضور حقيقي في الشارع؟ وكم خطابا وحديثا عن الشباب والاهتمام بهم؟! وكم... وكم؟!
خبر قصير مثل هذا فقط لو دُرّس بصورة صحيحة، كفيل بأن يكون بذرة لأنجع استراتيجية ضد التطرف والانغلاق وغياب التسامح والأمراض الاجتماعية والثقافية الأخرى!
(الغد 2016-08-15)