حمى الدبلوماسية بين تركيا وروسيا وإيران وصلتها بسوريا
بعيدا عن عُقد بعض النخب العربية من أردوغان (يربطونه بالطبع بالإخوان)، والذين يتمنون أي موقف له يناقض توجهات الجماهير الإسلامية، وبعيدا عن تمنيات شبيحة إيران ممن ذهبوا بعيدا في قراءة زيارة أردوغان لروسيا.. بعيدا عن هذين المعسكرين كيف يمكن النظر إلى الزيارة المذكورة، ومن بعدها زيارة جواد ظريف لتركيا، لا سيما تبعاتهما على الملف السوري؛ وهو سؤال طرحه أيضا محبو أردوغان، والمتعاطفون بطبيعة الحال مع المأساة السورية، إن كانوا سوريين أم من غالبية المسلمين التي تصطف معهم، في مقابل أقلية ترى خامنئي مرجعا لها، وتؤيد موقفه حتى لو خالف ضميرها والمحسوم من عقائدها. للتذكير فقط؛ كان الموقف الروسي من سوريا هو ذاته، وكذلك حال الموقف التركي والعلاقات بين الطرفين في أوجها قبل أن يجري إسقاط الطائرة الروسية نهاية العام الماضي، كما أن العلاقات الاقتصادية المتميزة بين إيران وتركيا لم يتغير عليها شيء، وهما يتحاربان في سوريا أيضا، وإلى حد ما في العراق. السياسة مركبة ومعقدة، ولا يمكن تبسيطها على النحو الذي يفكر فيه كثيرون، ومن يتابع التبادل التجاري الرهيب بين أمريكا والصين مثلا سيدرك ذلك، لا سيما إذا تذكر أنهما يعتبران نفسيهما في منافسة حادة على تصدر القرن الجديد. وفيما تعتبر الإمارات إيران دولة محتلة (لجزرها)، فقد كانت العلاقة الاقتصادية بينهما ولا تزال قوية جدا. والسؤال الجوهري هنا هو: هل ثمة تغير في الموقف التركي من سوريا بعد زيارة أردوغان لروسيا، وزيارة ظريف لأنقرة، وما شكل التغير المحتمل، وما هي الأخبار السارة خلال ستة أشهر التي تحدث عنها يلدريم؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من القول إن الدول الثلاث مستنزفة في سوريا، وإيران في المقدمة؛ هي التي تدفع كلفة الدفاع عن النظام كاملة، فيما نزيف تركيا أيضا واضح للعيان. أما روسيا، فإنها، وإن بدا نزيفها أقل، إلا أن هاجس التورط الطويل يسيطر عليها، لا سيما أنها تدرك أن أمريكا تريد لها ذلك. إنها التسوية ولا شيء غير التسوية التي يقبل بها الجميع، وما جرى في حلب مؤخرا أثبت أن الحسم العسكري وهمْ. ومن يعتقد أن التسوية المتوقعة بعد زيارة أردوغان لروسيا تعني تراجعا من تركيا وحدها واهمٌ أيضا، ليس فقط لأنها لن تقبل بهزيمة من هذا اللون تهز مكانتها الإقليمية وبين المسلمين، بل أيضا لأن تسوية لن تنعقد أصلا ما لم تحصل على موافقة من السعودية وقطر، وقبل ذلك وبعده، وهو الأهم؛ من القوى المقاتلة على الأرض، ومن ورائها القوى السياسية. وحدها التسوية التي تقنع المعارضة السورية (أكثرها على الأقل) هي التي يمكن أن تمضي، وهي تسوية لا بد أن تعني تغييرا حقيقيا في بنية النظام. هنا تتبدى أهمية الموقف الروسي الذي يمكن أن يضغط على إيران وعلى النظام كي يقبلا بتسوية تعيد هيكلة المعادلة على نحو يعيد الاعتبار للغالبية. إذا لم يحدث ذلك، وهو ما يبدو مستبعدا في الوضع الراهن، بخاصة أن أمريكا تدفع في اتجاه إطالة النزيف، فإن أي تطور ذي قيمة لن يحدث على المستوى السياسي، وسيستمر النزيف، هنا في سوريا، وفي اليمن أيضا، حتى ييأس خامنئي ويتجرع كأس السمّ، كما تجرّعه الخميني بإعلان قبول وقف الحرب العراقية الإيرانية، وبالطبع من خلال تسوية مقبولة مع العرب وتركيا.
(الدستور 2016-08-17)