اتفاق «الإطار العام».. وصواريخ الناتو «المُجنَّحة»!
تتسارع الأحداث والتطورات على الساحة السورية وخصوصاً في جبهات مدينة حلب، في الوقت الذي تبدو فيه الأمور بين موسكو وواشنطن وكأنها تقف على مفترق طرق حقيقي, بعد «نفي» مسؤول اميركي ما كان اعلنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن قرب قيام «نضال مشترك» بين روسيا والولايات المتحدة ضد داعش والنصرة التي باتت تُعرف باسم «جبهة فتح الشام» ,على ما ذكرت صحيفة الحياة اللندنية في عددها الصادر يوم أمس، الأمر الذي يدعو للتساؤل عمّا اذا كان النفي الاميركي مؤشراً على ان واشنطن ما تزال مترددة في اتخاذ خطوة ضرورية كهذه، وبخاصة ان أيامها في البيت الأبيض آخذة في النفاد، فيما تبدي موسكو رغبة واضحة ومُعلنة في عمل اميركي روسي مشترك، يُنهي لعبة شراء الوقت التي تواصل ادارة اوباما المناورة بها، ظناً منها ان المجموعات الارهابية التي تساندها هي وبعض الدول العربية وأنقرة، قادرة على قلب المعادلة في حلب الشهباء وتغيير موازين القوى لصالح هذا المعسكر المرتبك، وبخاصة بعد النشوة «المؤقتة» التي استبدت بهم, بعد نجاحهم في إحداث «ثغرة» الراموسة, والتي باتت الآن مأزقاً لهم، اكثر مما هي مدعاة للفخر او المُضي قُدُماً في الرطانة بشعاراتهم المُضَلِّلة عن قرب تحرير «كامل».. حلب..
هل قلنا أنقرة؟
نعم، فرغم ان تركيا قد ابدت استعداداً للقيام باستدارة «أخرى» بعد التحسن النسبي الذي طرأ على علاقاتها مع موسكو, وارتفاع منسوب التوتر بينها وواشنطن وبخاصة في ما كشفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن أنقرة «وعدت» ببحث اقتراح لفتح نقطة مراقبة أخرى على حدودها مع سوريا باشراف دولي لمنع تدفق المسلحين او العتاد اليهم، الاّ ان وقائع الأيام «الحلبية» الدامية, تشي بأن ثمة مناورة مستمرة ما تزال تركيا تقوم بها لاحراز بعض الانجازات الميدانية والتوفر على بعض الأوراق التي قد تُسهِم في رفع نصيبها من «كعكة» التسوية السورية, التي يبدو انها دخلت مرحلة الإنضاج, بعد ان بدأ الحديث يتواتر عن اتفاق «اطار عام» جرى التوصل اليه او التوافق عليه بين العواصم الثلاث المؤثرة (بهذه الدرجة او تلك) في الأزمة السورية, وهي موسكو، طهران، وأنقرة وأن الاخيرة ضمِنت لنفسها «نقطة» مهمة، اذا ما صحّت الأنباء عن تفاصيل هذا الاتفاق، الذي يتضمن ثلاث نقاط هي: الحفاظ على وحدة الاراضي والسيادة السورية, وتشكيل حكومة وطنية موسعة واعطاء الفرصة للشعب السوري لتقرير مصيره, ما يعني–ضمن امور اخرى–ان اردوغان قد نزل عن الشجرة العالية التي كان صعدها منذ خمسة اعوام ونيف, متأبطاً شرط اطاحة الرئيس السوري وجازماً بأنه لن يكون له(الأسد) دور في سوريا الجديدة, ناهيك عن حُلمه بالصلاة في المسجد الاموي بدمشق, الذي لم يتحقق ويبدو انه لن يتحقق, واذا ما تحقق فإنه سيكون بصحبة الرئيس الاسد نفسه وليس «وحده» بحراسة الإرهابيين الذين احتضنهم وسلّحهم ووفر الحماية لهم.
ليس صدفة والحال هذه ان يخرج بن علي يلدرم, رئيس وزراء اردوغان ليُبدي «تفاؤله» بامكانية التوصل الى حل «سياسي» في سورية بمشاركة اللاعبين «الاقليميين» مُوضِحاً ان ذلك «ممكن بعد التغييرات التي عملت عليها انقرة في سياستها الخارجية لناحية–والقول ما يزال ليلدرم–إعادة تطبيع العلاقات مع كل من روسيا واسرائيل وكذلك التقارب مع ايران».
هنا والان يبرز على نحو يثير الشكوك (حتى لا نقول الاشمئزاز) الدور التخريبي والمشبوه الذي يقوم به ائتلاف المعارضات السورية والهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض, وخصوصاً بعد اعلان المبعوث الروسي للازمة السورية بوغدانوف بأنه سيلتقي «الثلاثاء» (أمس) وفداً من المعارضة السورية في الدوحة, ما سارع الى نفيه باستهتار وعنجهية وثقة كاذبة بالنفس الناطق باسم الهيئة رياض نعسان اغا عندما قال في تهكّم: لا نعرف بالضبط من هي المعارضة التي سيلتقيها, ولا علم للهيئة بلقاء بوغدانوف وهي غير معنية» ما يشير الى ان الهيئة بدأت تشعر بوطأة العزلة وتراجع دورها حدود الالغاء أو الشطب في النهاية.
في السطر الاخير تبدو تصريحات وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو عن احباط بلاده خطة اطلسية لتوجيه ضربات قاصمة ضد مواقع سورية في العام ,2013 وان الناتو جهّز لضرب منشآت هناك بـ 624 صاروخاً مُجنّحاً, وان الصواريخ كانت جاهزة للاطلاق عندما «توصلنا» لاتفاق حول الترسانة الكيماوية السورية, ضربة موجعة للناتو وللادارة الاميركية, ليس فقط في انها اتخذت ذريعة «كيماوي الغوطة» المشكوك في حدوثها اصلاً لاسقاط الدولة السورية, وانما ايضاً لان موسكو قبل انتهاء اليوم الواحد المتبقي لتوجيه الضربة الماحقة كما قال شويغو, قد «فَرْمَلَت» الاندفاعة الاميركية, واطاحت تحقيق حلم الشرق الاوسط الجديد, بنسخته الثانية التي حملت اسم «الربيع العربي».
(الرأي 2016-08-17)