لعبة الحرب .. من همدان إلى حلب !
فاجأنا الرئيس بوتن مرة أخرى ..
عندما رجعت موسكو خطوة عسكرية الى الخلف، وبدأ الحديث الروسي عن الحل السياسي والتنسيق مع واشنطن لحل الازمة في سوريا أعتقدنا أن روسيا تراجعت عن قرارها بشان الجبهة العسكرية ، في الوقت الذي تقدمت فيه التنظيمات المسلحة الارهابية على جبهة حلب ، حيث اجتاح مسلحوها الكلية الجوية وما حولها من مواقع عسكرية للجيش في جنوب حلب .
لكن فاجأنا بوتن ، كعادته ، بخطوة استراتيجية جديدة ، فأكد للعالم ولدول المنطقة وللشعب الروسي ، أنه تراجع خطوة الى الخلف ليتقدم خطوتين الى الامام ، وبشكل لم يتوقعه احد . الطائرات التي انطلقت من قاعدة في همدان الايرانية ليست عملا عسكريا بسيطا ، أو مجرد مشاركة في معركة عسكرية ، لأن هذه الطائرات حملت القنابل والرسائل معا لكل من يهمه الامر ، وهي رسائل تؤكد توسيع دائرة التنسيق العسكري الاقليمي بالكامل .
القيادة في الكرملين تعرف جيدا ، وربما معلوماتها وقدرتها على تقييم الموقف ، تجاوزت قدرة واشنطن على متابعة التطورات في المنطقة في هذا الوقت بالذات ، لذلك تم تجاوز موسكو خلافاتها مع أنقرة ، فجاء القبول الروسي الفوري بتطبيع العلاقات مع تركيا ، والعودة الى التنسيق المشترك في محاربة التنظيمات الارهابية ، التي كانت حكومة انقرة داعمة ومساندة لها ، ومشرعة حدودها امامها ، الى ان وصلت النار اليها داخل تركيا . أضف الى ذلك الدعم الاميركي للتنظيمات الكردية الساعية الى فرض سلطتها في شمال سوريا وعلى خاصرة تركيا الجنوبية .
هذه التطورات الاستراتيجة الجديدة ، المتمثلة باقلاع طائرات روسية بعيدة المدى من قواعد ايرانية لقصف مواقع الارهاب في سوريا ، جاءت نتيجة لتنسيق عسكري ثلاثي روسي ايراني سوري ، تم في طهران قبل أكثر من شهرين بقليل . وأقول نتيجة التنسيق وليس التحالف ، ربما لترك الباب مفتوحا أمام مشاركة تركية في المستقبل القريب ، بعد المصالحة الروسية التركية ، وبعد انخفاض نسبة التوتر بين انقرة وطهران ، خصوصا أن لدى تركيا وايران هواجس مشتركة وقلق دائم ، حول الدور الاميركي في اقامة كيان كردي مستقل في شمال سوريا .
لذلك كل الانظار تتجه اليوم نحو موقف تركيا ، بانتظار حركة التفافية اخرى ، بعد الانعطاف في موقف اردوغان من مجمل القضايا في المنطقة ، وخصوصا المسالة السورية ، ولكن من المتوقع أن تسعى أنقرة الى اللعب بهذه الورقة في محاولة لقطف ثمار هذا التحول الذي لا تريده بلا ثمن ، وهي سيدة لعبة الابتزاز ، خصوصا في التعامل مع الدول الاوروبية .
الحقيقة أن الاندفاع العسكري الروسي الجديد ، باستخدامه الطائرات القاذفة الثقيلة من قواعد اقليمية ، يشير الى توجه حقيقي لحسم عسكري كبير يقود الى الحل السياسي . صحيح ان مطار حميميم السوري غير مهيأ لاستقبال أو اقلاع هذا الطراز من الطائرات بعيدة المدى ، الا ان اقلاعها من ايران له معناه السياسي - العسكري . الطائرات التي انطلقت من طهران هي طائرات من طراز(سوخوي - 34 ) وهي طائرات قاذفة مقاتلة انضمت الى الخدمة في سلاح الجو الروسي عام 2014 ويبلغ مداها اربعة الآف كلم ، تستطيع الاقلاع وهي محملة بحوالي 17طنا من الذخائر والقذائف . اما الطائرات الاخرى فهي من طراز ( تي يو – 22 ام ) وهي طائرة قاذفة قنابل تكتيكية يبلغ مداها حوالي 7 الآف كلم ، ومعدة لتدمير الاساطيل البحرية ، يضم طاقمها اربعة : الطيار ، ومساعده ، واختصاصي المدافع ، ومشغّل الانظمة الدفاعية « ، يمكن تزويدها بصواريخ بعيدة المدى، وتبلغ حمولتها حوالي خمسين طنا من الذخائر والقنابل والصواريخ ، وهي اكثر تطورا من القاذفة الاميركية (تي – 52) .
وللافت أن القصف الجوي الروسي المنطلق من مطار همدان في ايران فتح الطريق مجددا أمام تقدم الجيش السوري الذي بدأ بهجومه المضاد لاستعادة كل المواقع التي احتلتها التنظيمات المسلحة في جنوب حلب ، ولا اعتقد أن العملية ستتوقف عند هذا الحد ، لأن معركة حلب ستكون المعركة الفاصلة في الحرب الدائرة ، لذلك خرجت واشنطن عن صمتها وبدأت تطالب بالتنسيق مع روسيا لوقف القتال وفرض هدنة جديدة تكون بمثابة طوق النجاة للتنظيمات المسلحة ، خصوصا ان واشنطن تدرك اليوم معني التنسيق الاقليمي الجديد الذي تقوده روسيا الى نهاية الحرب .
(الرأي 2016-08-18)