الحراك المعرفي الممكن في انتخابات 2016
تشكل "المعرفة" اليوم، بما هي المورد الأساسي للاقتصاد والحياة، جوهر التقدم والفشل والإصلاح والتنمية والاحتكار؛ ويدور حولها، بطبيعة الحال، الصراع والجدل الاجتماعي. وبذلك، يفترض في الجماعات والطبقات والمصالح والأعمال والمدن والمجتمعات، أن تحدد على نحو عملي واضح خريطة عملها.
تشكل مشاعية الإنترنت، بما هي خدمة عامة ومرفق أساسي مثل الطرق والمدارس والمستشفيات، مطلباً أساسياً؛ إذ يفترض أن تكون متاحة لكل فرد ومؤسسة فرصة الوصول إلى الشبكة، بالقدر الذي يتاح له أن يسير على الشوارع والأرصفة ويرتاد الحدائق العامة. وتكون هذه المشاعية المفترض أن ترعاها الحكومات والبلديات والشركات في سياق مسؤوليتها الاجتماعية، القاعدة الأساسية للعمل والتشكل الاجتماعي والاقتصادي. ويمكن في هذا السياق التحرك في اتجاه المطالبة بتزويد الحدائق والفضاءات العامة والمتنزهات والجامعات والمدارس ومحيطها، كما محطات الباصات والنقل العام والمطارات، بالإنترنت مجانا.
وتكون الخطوة التالية لمشاعية الإنترنت، بناء المؤسسات الاجتماعية والمهنية والاقتصادية من خلال الشبكة، لأجل التعليم والرعاية والتأثير في السياسات والأسواق، وتخفيض الهدر في الإنفاق، والمشاركة في الأسواق المتاحة وطنياً وعالمياً -فالعولمة التي أنتجتها الشبكية تتيح موارد جديدة، وتستولي على موارد قائمة- وتقديم ما يمكن تقديمه من خلال الشبكة لأجل الحصول، وعلى أفضل وجه ممكن، على الخدمات الأساسية وبناء المعارف والمهارات، وتطوير الأسواق والجماعات والمدن والأحياء باتجاه ما نحب أن تكون عليه.
وبطبيعة الحال، فإن الصراع سيدور على إتاحة المعارف والمعلومات للأفراد والمؤسسات وضد حجبها. وهدف الجماعات الإصلاحية أن يكون بمقدور الأفراد والمؤسسات الحصول على المعرفة التي يحتاجونها لتطوير أعمالهم وتحسين موقعهم وفرصهم. وفي هذا النضال، تجد المجتمعات والمدن مصلحتها الأساسية في استقلاليتها وقدرتها على امتلاك وإدارة مؤسساتها ومواردها، لأنه وببساطة لن يكون في مقدورها اكتساب وتنظيم المعرفة التي تحتاج إليها إلا باستقلالها. ويتوقع، بالطبع، أن تكون مصلحة الاحتكارات والمؤسسات التقليدية القائمة في حجب المعرفة والخدمات الممكنة من خلال الشبكة. لكن يجب التقبل اليوم أن ثمة مجالا لخدمات تعليمية وطبية وإرشادية واستهلاكية في مستوى متقدم من الجودة، وبتكاليف أقل بكثير مما يدفعه المواطنون.
في استقلال المجتمعات والمدن، يكون بمقدور المواطنين أن يكتسبوا المعارف والمهارات التي يحتاجون إليها. وسوف تكون وظيفة مزودي المعرفة، مثل المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية، تقديمها وتطويرها وليس حجبها أو تشويهها كما يحدث اليوم بالفعل في كثير من المؤسسات القائمة. ولكن لن يحدث ذلك إلا في مؤسسات مستقلة تملكها المجتمعات أو شركات تجد مصلحتها في استقلال المجتمعات وفي اكتساب الناس للمعرفة الجيدة والملائمة. وسوف يكون لدينا، بطبيعة الحال، نخب وقيادات اجتماعية وإبداعية ومعرفية جديدة، تستمد وجودها وتأثيرها من هذه الاستقلالية، ومن الطموحات المعرفية الجديدة للأفراد والمجتمعات والأسواق.
(الغد 2016-08-18)