فلسطين ... أخيرا !!!
هكذا هبطت فلسطين السلّم، بدءا من كونها قضية القضايا الى القضية المركزية ثم الى قضية نزاع في الشرق الأوسط واخيرا الى موضوع دبلوماسي في ذيل قائمة الأولويات القومية . تعددت الاسباب، لكن نادرا ما تجرأ احد على الاقتراب من الخط الاحمر وهو فلسطيني بامتياز، فمنذ اعلن العرب انهم يقبلون بما يقبل به الفلسطينيون ولن يكونوا كاثوليكيين اكثر من البابا، اختزلت فلسطين جغرافيا الى مساحتها فقط، وديموغرافيا الى عدد سكانها وسياسيا الى اوسلو بكل ما افضى اليه حتى بعد ان اطلقت اسرائيل الشارونية رصاصة الرحمة عليه، لكنه لم يدفن حتى الان ! وان دفن فلن يكون قبره ضريحا او مزارا ! ان عروبة فلسطين ليست شركة مساهمة، او احتفالا موسميا تطفأ فيه الانوار بعد اسدال الستار ، فهي اسم حركي او مستعار للأمن القومي برمّته، واحتلالها يعني بالضرورة انتهاك اعز ما لدى العرب من مقدسات وسيادة، فهل اختارت فلسطين ان تكون اخيرا في هذه التضاريس العربية التي حذفت منها شقائق النعمان عن السفوح من السّهول ؟ ام ان الفارق تغيّر ومنه نحن العرب فأصبح الاساسي ثانويا، والمركزي هامشا، ولا ندري كيف وبأية ثقافة تمّ بثّها في هذا المناخ الملبد باللامبالاة وسحابات الغبار والدخان فقط تحول القلب الى زائدة دودية ملتهبة، لا بد من اجراء جراحة لاستئصالها كي ينجو الجسد ! حين اعلن الغراب لا السّنونو بواكير الربيع، ظن المتفائلون ان اول الاشجار التي ستخضرّ في هذا الفصل هي اشجار فلسطين، وان التين سوف يستعيد اوراقه بعد ان بيعت في المزاد لستر العورات السياسية، لكن سرعان ما اصبح الربيع فصلا في التقاويم العبرية، وتحولت الضارّة الى نافعة ورافعة اسرائيلية! وقد لا تمكث فلسطين طويلا في المرتبة الاخيرة، لأنها مهددة بالطرد من الذاكرة والنشيد وعندئذ لن تجد خيمة تتسع لها في التاريخ !!
(الدستور 2016-08-21)