إيران ولحظة الرشـد الضـرورية
قبل أسبوعين كان روحاني يشيد في تصريحات لافتة بقرار الخميني وقف الحرب العراقية الإيرانية، وهو ما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية ككلام عابر دون توقف عند الدلالات، ثم أتبعه بعد يومين بحديث عن إنجازاته بمناسبة بدء العام الرابع من ولايته. لا ينتبه كثيرون إلى حقيقة الصراع الدائر داخل إيران بين التيار المحافظ الذي يمسك بأهم مفاصل السلطة، وبين الإصلاحيين الذين لا يأخذون إلا جزءا يسيرا منها. لا يلتفت كثيرون مثلا إلى تصريحات خامنئي ورموز التيار المحافظ اليومية، والتي لا تخلو من تلميحات تصيب الإصلاحيين بهذا القدر أو ذاك، فيما يتطرف بعضها ليلامس الاتهام بالخيانة، بل الإتهام بها أحيانا. التقليل من شأن اتفاق النووي موالٌ يومي في تصريحات المحافظين، وبالطبع عبر الحديث عن عدم التزام الطرف الأمريكي به، واللافت هنا أن سيل الهجاء الذي يتدفق من طهران في اتجاه أمريكا، رغم اللقاء الواضح في العراق؛ ونسبيا في سوريا لا يستوقف الأمريكان أبدا!! التقليل من شأن اتفاق النووي ليس مرتبطا بعدم الالتزام الأمريكي، وإن صحّ ذلك بقدر ما، بل يرتبط بتنفيس الإنجاز الأكبر للإصلاحيين، والذي منحهم الأمل بمزيد من التجذر في السلطة؛ في ظل حقيقة تقول إن الشعب تعب من المغامرات ويريد الاستمتاع بثرواته، وهو لا يلقي بالا لمحاضرات “الاقتصاد المقاوم” التي يلقيها عليه رموز التيار المحافظ بشكل يومي، فضلا عن حكاية الدفاع عن المراقد المقدسة!! على مرمى عام من انتخابات الرئاسة القادمة، يحاول روحاني والإصلاحيون إيجاد سبيل لإقناع الناس بأنهم الأفضل، وهم لا يحتاجون إلى ذلك كثيرا في واقع الحال، لكنهم يحتاجون إلى تفاعل شعبي أكبر يخيف المحافظين من مغبة التزوير، أو تصعيد الضغوط على الإصلاحيين قبلها (هناك حديث عن ترشيح سليماني للمنصب كمرشح قوي يجري تلميعه في كل مناسبة). ما قاله روحاني عن قرار الخميني هو تلميح لا تخطئه العين إلى العبء الثقيل الذي تلقيه حروب إيران على مواطنيها، فضلا عن حقيقة أنها حروب بلا أفق ولا جدوى، وهو يريد القول للمواطن إن تلك الحروب هي التي تستنزف مقدرات البلد، وتحول دون تمكين حكومته من استثمار عوائد اتفاق النووي في تحسين شروط حياته. والحال أن من يتابع الشأن السياسي الإيراني من الداخل، سيلاحظ أن الحكومة شبه غائبة عن إدارة الشأن الخارجي المتعلق بصراعات إيران في المنطقة، حتى لو جاملت “المرشد” مضطرة بتصريح هنا أو هناك. وحين استبعد جواد ظريف مساعده (عبد اللهيان) من منصبه، هو الذي كان صوت سليماني في الحكومة، قام المحافظون باستحداث منصب جديد له مستشار رئيس مجلس الشورى للشؤون الخارجية!!) كي يواصل الظهور يوميا في وسائل الإعلام أكثر بكثير من ظريف ومساعديه الحقيقيين. ربما ليس جديدا القول إن السياسة الخارجية هي من اختصاص المرشد، لكن الأمر لم يعد عاديا، فالسياسة الخارجية منذ سنوات، هي اقتصاد أيضا، وهي التي تستنزف موازنة الدولة، وفيما كان روحاني يأمل في استثمار عوائد اتفاق النووي ورفع العقوبات في تحسين وضع الداخل، كانت تلك الصراعات تزداد احتداما؛ ومصاريفها أيضا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى متى يصبر المواطن الإيراني على هذه المعادلة البائسة، ومتى يصل خامنئي إلى لحظة الرشد التي وصلها الخميني بوقف الحرب العراقية الإيرانية، ويتخلص قبل ذلك من أساطير لا صلة لها بالواقع، وهي للتذكير كانت موجودة أيام الحرب العراقية الإيرانية، ربما بذات الحيثيات، وإن على نحو أقل استفزازا للغالبية السنيّة كما هو الحال هذه الأيام.
(الدستور 2016-08-21)