يافطات تحت المجهر !!
للمرة الثانية وربما العاشرة نقول ان قراءة اليافطات والشعارات في المواسم الانتخابية على امتداد العالم العربي تتطلب فريقا من الباحثين في علوم النفس والاجتماع والانثربولوجيا، لأنها مفاتيح نموذجية للتعرف على كيفية التفكير والمناهج التي يرتكز اليها، واول ما يمكن تسجيله من ملاحظات على هذه الظاهرة، هو الالحاح على ما ينقص الناس، سواء تعلق بالخدمات والحياة اليومية او بالحريّات، والعزف على هذا الوتر الحساس قد يطرب البعض ويحقق لهم ما يسمى في علم النفس الاشباع الكاذب، تماما مثلما يحدث للظامىء في الهجير اذا مدّ يده الى سراب ! وما يلفت النظر في بعض هذه الشعارات هو الافراط في الوعود، رغم ان المسافة طويلة وشاقة بين الرغبة والقدرة على تحقيقها، ولو عرف بعض الغلاة من اصحاب الوعود العرقوبية ان من يعرف قدر نفسه يرحمه الله ويحترمه الناس لاختلف المشهد كثيرا . في بلدان العالم الذي يعترف بالعلم ويعطي للعقل نصيبه ثمة دراسات معمقة عن الاعلانات وما يكتب على الشاحنات او ابواب البيوت، ومن خلال هذه الدراسات يتوصل الباحثون الى ما يشغل الناس بالفعل وليس ما يزعمون انه يشغلهم، لكن اشباه النخب في العالم العربي تنوب عن ملايين الناس في تقدير الاولويات وترتيبها تبعا لما تراه وما يلائم مصالحها ! ولو عدنا الى يافطات وشعارات ما سميّ على سبيل التضليل الربيع العربي، وبحثنا بعد خمس سنوات عما تحقق منها بدءا من الحرية حتى الرغيف مرورا بالكرامة لوجدنا انها ذهبت مع الريح ، وما كنسته عواصف الخريف ساهم التاريخ ايضا في كنسه ! لقد ادى فائض الحرمان الى مبالغات كاريكاتورية لتسديد مديونيات من كل نوع . انها دعوة مكررة للباحثين في علم النفس والاجتماع والانثربولوجيا لوضع هذه اليافطات تحت المجهر !!
(الدستور 2016-08-22)