هل الانتخابات هي الحل؟
آخر السائرين على خط الوساطة بين طرفي الانقسام الفلسطيني، فتح وحماس، هي لجنة المتابعة للأحزاب العربية، وراء الخط الأخضر ... الأنباء تتحدث عن “مبادرة” تقدمت بها الأحزاب والنواب العرب إلى مختلف الأفرقاء الفلسطينيين، وأنها لقيت ترحيباً من كثيرين منهم ... والأنباء ذاتها تحدثت “حكومة الوحدة” وانتخابات رئاسية وبرلمانية” بوصفهما ركيزتين أساسيتين لحل معضلة الانقسام. تعددت المبادرات العربية والدولية التي سعت في رأب الصدع بين الجانبين، وتناسلت المبادرات الأهلية الفلسطينية الصادرة عن نشطاء الضفة والقطاع لتحقيق الغرض ذاته ... تكاثرت الأوراق والبرتوكولات التي ظلت جميعها حبراً على ورق، وانتهت مفاعليها قبل أن يجف الحبر الذي كتب بها ... وتبددت ابتسامات الوجوه ذاتها التي امتهنت التقاط الصور التذكارية بقبضاتها المتشابكة والمرفوعة عالياً ... لكن شيئاً على الأرض لم يتحقق، فالانقسام على حاله، باق ويتعمق، والمصالحة باتت هدفاً بعيداً المنال، ربما ينضم إلى قائمة الأهداف الوطنية الكبرى المجهضة. أن يبادر قادة “عرب 48” لأخذ زمام الوساطة بين أشقائهم في الوطن، فهذا أمرٌ محمود، يسجل لهم، وهم الذين قدموا في الانتخابات الأخيرة للكنيست نموذجاً ريادياً على تجاوز الخلافات التكتيكية والانقسامات السياسية، لصالح هدف وطني أعلى وأسمى ... والشعب الفلسطيني المنزرع في أرضه منذ نكبته، يقدم اليوم بارقة أمل كبرى للشعب الفلسطيني كله، إذ ربما من خلف الخط الأخضر، ستنطلق إرهاصات تجدد الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، لأسباب شتى ليس هنا مجال للخوض فيها. وأن يقال بان مبادرة لجنة المتابعة، لقيت ترحيباً من قبل كثيرٍ من الأطراف المستهدفة بها، فهذا أمرٌ جيدٌ كذلك، مع أن طرفي الانقسام، لم يترددا يوماً عن الإشادة بكل المبادرات والمبادرين، ولطالما أجمعا على الترحيب بالأفكار العظيمة التي تصدر تارة عن الدوحة وأخرى عن القاهرة، وثالثة عن مؤسسات مدنية وشخصيات وطنية فلسطينية، من دون أن نعرف لماذا يستمر الانقسام وتتعطل المصالحة، طالما أن كل هذه المبادرات تنطوي على قدر كبير من الأفكار القيمة والعظمية. الانتخابات، رئاسية كانت أم تشريعية، ليست هي الحل كما تقول المبادرة ... الانتخابات الأخيرة كانت سببا للانقسام وأداة لتعميقه وإطالة أمده ... قبل عشر سنوات فازت حماس في الانتخابات التشريعية فوزاً مظفراً، وقبلها بعام، فاز محمود عباس بالانتخابات الرئاسية فوزاً مؤزراً ... لا هذه ولا تلك، أقنعت طرفي الانقسام بالاحتكام لنتائج الانتخاب وصناديق الاقتراع. وبفرض قبول الطرفين بالذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، ونضيف إليها انتخابات أعضاء المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ... من قال إنهما سيرتضيان بالنتائج التي ستتمخض عنها وسيحتكمان إليها؟ ... هل ستتخلى حماس عن سلطتها في قطاع غزة في حال فازت فتح في الانتخابات؟ ... وهل ستتنازل فتح عن السلطة لحماس في الضفة الغربية، لو جاءت النتيجة بخلاف ذلك؟ ... ليس المهم أن نجري الانتخابات، المهم أن يتمكن الطرف الفائز فيها، أياً كان، من تولي زمام السلطة والمرحلة في شطري الوطن المحتل والمحاصر، وبخلاف ذلك، ستكون الانتخابات الجديدة، سبباً في تعميق الانقسام الذي نجم عن نتائج الانتخابات القديمة. والحقيقة أننا لا نتوفر على ضمانة من أي نوع، تقول بأن التداول على السلطة (التي لا سلطة لها) سيتم بسلاسة هذه المرة، وهو لم يحصل في المرة السابقة ... فتح سمحت لحماس بتشكيل الحكومة، ولكنها أبقت بين يديها بكل مقاليد السلطة والقرار ... لتعود حماس وتتقمص دور فتح مع تشكيل حكومة التوافق الوطني، عندما سمحت لوزراء الحكومة باحتلال مكاتب وزاراتهم في غزة، بيد أنها أبقت لنفسها وبين يديها، بكافة مقاليد السلطة والقرار. ثمة بنية تحتية صلبة تعزز الانقسام وتكرسه وتديمه، وثمة منظومة من المصالح الانتهازية التي تشكلت في العشرية السوداء الأخيرة، وثمة طبقة من الطفيليات نمت على جذع الانقسام، ستعمل ما بوسعها لقطع الطريق على أية محاولة لإنهائه، وهي فئة أو طبقة نافذة، ومبثوثة في ثنايا السلطة ومؤسسات القرار على ضفتي الانقسام في رام الله وغزة سواء بسواء. لا يعني ذلك أن انهاء الانقسام بات مهمة مستحيلة، وعصية على التحقيق ... لكن نظرة واقعية في الأسباب المتداخلة والمتشابكة التي حالت دون نجاحات المبادرات السابقة، يجب أن تكون حاضرة في أذهان أصحاب المبادرة الجديدة، حتى لا نزرع الوهم من جديد، فكل محاولة فاشلة، تتسع معها قواعد المتشائمين والمحبطين من رجال فلسطين ونسائها ... ولا بد من التفكير “خارج الصندوق” في هذا الشأن، وهذا أمرٌ سنعود إليه في مناسبات قادمة، وإن كنّا تناولناه في مرات سابقة عديدة، وفي هذه الزاوية بالذات.
(الدستور 2016-08-22)