انتخابات بلدية في ظل الاحتلال والانقسام .. والتيه!!
في ظل حالة من التيه الذي تعيشه القضية الفلسطينية، والانسداد السياسي الذي يواجه قيادة لا تعرف غير التفاوض والتعاون الأمني، وفي ظل حالة انقسام مستمرة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وفي ظل وضع عربي وإقليمي بالغ السوء، وغزل مع العدو من أطراف عديدة؛ من العرب ومن تركيا، ومن إيران (عبر الروس)، وفي ظل استمرار ثنائية (عباس- دحلان) في حركة فتح، وفي ظل الوضع الصعب لحركة حماس في قطاع غزة، والاستهداف المتواصل في الضفة الغربية.. في ظل ذلك كله، تفتق ذهن القيادة الفلسطينية عن فكرة إجراء انتخابات بلدية بعد عقد ونيف على آخر انتخابات مماثلة. في عقل القيادة الفلسطينية الحالية كل شيء على ما يرام، فالدولة قائمة، ولا ينقصها إلا الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبطبيعة الحال البلدية، بصرف النظر عن المساحة التي تسيطر عليها، وبصرف النظر عن دخول قوات الاحتلال إليها يوميا لاعتقال الناس (تذكرون تهديدهم الرهيب قبل شهور بأنهم سيفعلون ويفعلون إذا لم تتوقف الاقتحامات ومنحوا الاحتلال شهرا للالتزام؟!!). يضيفون إلى ذلك بطبيعة الحال قضية الانقسام، ويحمّلونها كل الأوزار، لكأن الاحتلال كان على وشك الرحيل، ولم يمنعه سوى الانقسام، وإنه ما من إن يعود قطاع غزة إلى ولاية السيد الرئيس، ويلتحق ببرنامج التعاون الأمني مع العدو، حتى يبادر نتنياهو إلى تنفيذ الاتفاقات الدولية والانسحاب إلى حدود 67 بما فيها القدس، وربما فكّر في إعادة اللاجئين أيضا!! حين يحاول المراقب التفكير فيما جال في عقل القيادة الفلسطينية حين قررت إجراء الانتخابات البلدية، فلن يجد سوى جملة أشياء تتصدرها بكل تأكيد فكرة إبعاد الناس عن المقاومة وإشغالهم بانتخابات تعطي الانطباع بأن الدولة قائمة، وإن بناءها وتنميتها؛ بالتعبيرات التي يحبون استخدامها هو الحل وليس السلاح. هناك بالتأكيد بُعد آخر يتعلق بأمنيات الفوز التي تمكّن الرئيس من القول إن حماس تتهرب من الانتخابات الأخرى، وقد يكون له بعض الحق في أمنياته لأن الانتخابات البلدية تتم غالبا على أسس عشائرية، وهي أسس ذات صلة بالمكاسب التي تحتكرها حركة فتح منذ عملية السحق والمطاردة لحماس التي بدأت بقوة بعد الحسم العسكري في القطاع صيف 2007، والتي أصابت كل مؤسساتها الخيرية والاجتماعية، وطاردتها على كل صعيد، من طرف الاحتلال ومن طرف السلطة، فيما قد يكون الوضع قريبا من ذلك في قطاع غزة تبعا لمعاناة الناس من الوضع المعيشي الذي يعاني جراء الحصار. لكن النتيجة قد لا تكون وفق ما يشتهي عباس، رغم أنها منافسة غير شريفة، بين حركة تتمتع بامتيازات السلطة، وبين أخرى مطاردة على كل صعيد، وهو أمر يختلف إلى حد كبير عن انتخابات الطلبة التي تتم على أسس سياسية، ولا زالت حماس تحظى فيها بنتائج لافتة، وإن بقيت الندية قائمة بينها وبين فتح. ربما حضر هاجس دحلان هنا أيضا، وهو يحضر في كل حين في عقل القيادة إياها، فيما يعلم الجميع أن المنافسة لا صلة بها بالسياسة ولا بالرؤى المتعلقة بالتعامل مع الاحتلال، بل بالأبعاد الشخصية. لا ندري بأي منطق قبلت حماس فكرة الانتخابات، وهل الأمر متعلق بالأمل بإعادة بعض الحضور في الضفة (الواقع أن الانتخابات ستعزز من مطاردتها من الاحتلال والسلطة في آن، وهو ما بدأ عمليا مع أنه لم يتوقف أصلا)، أم بتحميل السلطة بعض مسؤوليات البلديات في القطاع، أم بالوضع الإقليمي الضاغط على كل صعيد؟ لكن المؤكد أن الفكرة برمتها تبدو عبثية إذا جئنا نفكر فيها من زاوية نظر القضية ومصالحها، فهذه الديمقراطية تحت الاحتلال هي وهمٌ كبير، وتكريس السلطة وأعمدتها لإبعاد الناس عن المقاومة مصيبة أكبر، والأصل هو التوحد في ميدان المقاومة، وليس التنافس وخلق المزيد من الانقسامات في ميدان الانتخابات (كنا للتذكير ضد مشاركة حماس في انتخابات 2006، حتى لا يخرج بعضهم بالردود التقليدية إياها).
(الدستور 2016-08-22)