في الجامعة الاردنية وغيرها : من هي حليمة وما هي عادتها القديمة ؟
المدينة نيوز – خاص – كتب أ . د . عبد المهدي السودي - : الطريقة المتبعة في التعيينات الإدارية والأكاديمية في الجامعات الأردنية هي المشكلة التي تحتاج إلى معالجة وليس في الرؤساء أو الأشخاص. فالطريقة المتبعة في غالبية الجامعات العالمية لتعبئة شاغر أكاديمي أو إداري هو بالإعلان عن ذلك الشاغر من اجل التنافس لكل المؤهلين والراغبين في إشغاله محليا وعالميا وبالتالي تحصل الجامعات على أفضل العقول العلمية والإبداعية من بين عشرات بل مئات المتقدمين لتلك الوظيفة. أما عندنا فتتمثل الطريقة بقيام مجلس التعليم العالي بتأثير كبير جدا من الوزير باختيار إحدى الشخصيات الأكاديمية بناء اعتبارات كثيرة غير موضوعية تصل إلى درجة استقدام أشخاص من خارج الجامعة لإدارتها وهو من أهم أسباب فشل تعيين رؤساء الجامعات. ثم يقوم الرئيس المعين بتعيين نوابه وعمدائه حسب رغبته ومزاجه وقيام العمداء باختيار رؤساء الأقسام والإداريين بنفس الأسلوب وينتهي بنا هذا الطريق إلى وجود شبكة إدارية-أكاديمية في كل جامعة ليست مبنية على أساس الواسطة والشللية والعلاقات والمصالح الشخصية بدلا من العلم والمعرفة والكفاءة والتميز. وتفرز هذا النموذج في التعيينات بالضرورة شبكة من الأتباع والموالين بدلا من شبكة من العلماء والمبدعين. هذا الأسلوب في التعيينات والذي يخالف كل الأعراف الأكاديمية والمتطلبات الإدارية ومبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص يؤدي إلى حالة من التذمر والرفض والإهمال وعدم الاكتراث وانسحاب خيرة الأساتذة من الحياة الجامعية وفشل الجامعات في تحقيق أهدافها الأكاديمية وفي إدارة الميزانية وتراكم الديون على الجامعات وتعطيل عملية التغيير والإصلاح المطلوب. وهذا في رأيي من بين أهم أسباب تدني المستوى الدراسي في الجامعات بشكل عام. إن تعيين رؤساء الجامعات ونواب الرئيس والعمداء بهذه الطريقة وبخاصة تجاهل مبدأ الكفاءة والمنافسة الحرة وتكافؤ الفرص والانجازات إنما هو في نظري السبب في فشل الإدارات الجامعة وهو الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة حقيقية. فالمشكلة ليست في الأشخاص المعينين ولكنه في الطريقة والأسلوب الذي يعينون فيه وفي الأسلوب الذي يعين فيه هؤلاء الرؤساء نوابهم والعمداء ورؤساء الأقسام في جامعاتهم.
لقد ساهم هذا النمط من التعيينات في قتل روح التنافس بين الأساتذة والسعي إلى التمييز لا بل أن الإدارات غير الكفؤة تعمل جاهدة على تشويه سمعة الأساتذة المتميزين لدى الإدارة العليا وتظهرهم بأنهم طامعين او مشكلجيين وتعمل على وضع العراقيل في مشاركاتهم العلمية وتمنع عنهم المياومات التي تنص عليها تعليمات حضور المؤتمرات المحلية والدولية أو تحدد مشاركتهم بمؤتمر واحد طيلة السنة تحت شعار التوفير على الجامعة وهي في الواقع تقوم بذلك حسدا وغيرة. فيجد الأستاذ المتميز نفسه محبوسا في بيئة جامعية تخلو من التنافس العلمي والعمل المشترك وتدريجيا ينسى كل هذه الأمور ويندمج في عملية التذمر ونقل الإشاعات والاستغابات وتنقلب اهتماماته البحثية إلى اهتمامات تدريسية شكلية.
ونظرا لان التعيينات الإدارية والأكاديمية لا تراعي الكفاءة والتمييز فهناك حالة من الاغتراب بين الأساتذة في الجامعات الأردنية نابعة من إحباطهم وتجاهلهم وعدم إشراكهم في العملية التعليمية فيحصل انفصام بين الإدارة والأساتذة ويخلق بيئة غير صحية بين أهم طرفين في هذه العملية تصل في كثير من الأحيان أن يقوم بعض الأساتذة بالشكوى أمام طلابهم من سؤ العملية الإدارية أو الإهمال في واجباتهم التدريسية والتربوية. وبالمناسبة فان حجم الخطط التفصيلية والتي تطلبها الجامعات الأمريكية لا يقل عن 15 صفحة لكل خطة بينما لا يصل عدد الصفحات في بعض المواد التدريسية طيلة الفصل 15-20 صفحة.
وبدلا من انشغال الأساتذة بوضع خطط دراسية مدعمة بقراءات محددة من كتب ومقالات علمية توضع كمتطلبات إجبارية وملزمة للطالب ويلتزم بها الأساتذة في شرحهم وامتحاناتهم يقضون معظم الوقت في التذمر والتنبؤ بالتغييرات القادمة والاستغابات وتعظيم المشاكل وتبعدهم كل هذه الأمور أن إدراك الحقيقة التي تقول بأن مشكلة تدني مستوى الخريجين إنما تكمن في سؤ التعيينات الأكاديمية والإدارية. فمعظم الخطط الدراسية قديمة أو من مؤلفات المدرسين التي تكرر في جميع المساقات التي يدرسونها وهي مجرد خطط على ورق ليست ملزمة للطلاب ولا للأساتذة الذين يدرس بعضهم المادة من دفاترهم العتيقة التي مضى عليها أكثر عشرين عاما.
لقد كتبنا أكثر من مرة بأن مشكلة الفشل الإداري والمالي والأكاديمي وتدني المستويات التعليمية في الجامعات الأردنية والعربية إنما تكمن في الأسلوب المستخدم في التعيينات الإدارية والأكاديمية والذي يقوم على أسس غير موضوعية تنتج رؤساء يهتمون بالمحافظة على مراكزهم أكثر من اهتمامهم بالقضايا الإدارية والمالية ومتابعة الأمور الأكاديمية والعملية التدريسية . أن حل هذه المشكلة يتطلب تغيير نمط التعيينات الإدارية بحيث يتم من خلال لجان وطنية تقوم بالإعلان عن هذه الوظائف لجميع الأساتذة ودراسة طلبات جميع المتقدمين بصورة موضوعية لاختيار أكثرهم علما وكفاءة وقدرة على الانجاز والإبداع. لا بد من إنشاء مجالس للجامعة والعمداء قادرة على مراقبة ومحاسبة الرئيس وليس مجالس تبريك وطاعة وولاء وتقديس. هل يمكن لمجلس عمداء معين من الرئيس مراقبته ومحاسبته؟ أن مجالس العمداء والجامعات الحالية هي مجالس شكلية مهمتها الرئيسية أن تبصم للرئيس باعتباره ولي النعمة وصاحب العصمة وهل بعد ذلك حديث عن الإصلاح والتغيير وإنقاذ الجامعات من التردي والفشل الأكاديمي والإفلاس؟ أن تكرار تغيير رؤساء الجامعات بهذه الطريقة قد دمر الجامعات وفقدها هيبتها وفعاليتها وثقة الناس فيها. المرض معروف والعلاج معروف فهل نحن قادرون على اتخاذ القرار لصرف الدواء؟ سؤال لوزير التعليم العالي ومجلس التعليم العالي ينتظره الجميع بفارغ الصبر. فإما إن يحدث التغيير والتجديد والإبداع في التعيينات وإما أن تعود حليمة لعادتها القديمة بالرغم من إنني لا اعرف ما هي عادة حليمة القديمة.