السُخنة شقيقة جنّاعة و30 مليون عام من التاريخ !
كلما ذُكرت «جناعة» استيقظ الطفل داخلي . يذكرني ببيوت الطين والقصب ،بالشارع الوحيد، الذي كان يصلها ويوصلنا الى الام «الزرقاء» ، بالسيل الذي كنا نسبح فيه ونسرق من البساتين المحيطة به الخس واكواز الذرة و..نهرب .كان سيل الزرقاء حياً يُرزق .تشرب الزرقاء من مائة وتاكل من المزارع المنتشرة حوله..خضار من شتى الانواع ، بندورة وملوخية وزهرة وباذنجان وملفوف ووو. أما السخنة التي ورد ذكرها في معمعة الانتخابات فقد كانت وجهتنا ايام الجمعة ،عائلات او مدارس او صبية ، نمشي اليها على الاقدام بمحاذاة السيل حيث لم يكن بين الزرقاء والسخنة سوى بضعة بيوت .كانت السخنة مطرزة بالخضرة و الماء ،وكان شجر «العلّيق» يتشابك على السيل بين مسافة و اخرى .يسبح من يسبح ،يشوي من يشوي وبقليل من التكلفة يفرح الناس طيلة النهار . لم نكن نعلم ان سيل الزرقاء أو نهر التماسيح ثاني أكبر روافد نهر الأردن بعد نهر اليرموك، وهو ثالث أكبر نهر في المنطقة حيث تبلغ مساحة حوضه حوالي 3400 كم2. وأنه ينبع من العاصمة عمان متجها إلى الشرق عبر عين غزال، الرصيفة، فمدينة الزرقاء، حيث ينحني 180 درجة ويبدأ جريانه باتجاه وادي الأردن قاطعاً جرش وعجلون والبلقاء، ويصب أخيرا في بحيرة جرش. أما ما اذهلنا فهو تاريخ النهر السيل الذي كنا نلعب فيه حيث رجّح العلماء الجيولوجيون أن عمره حوالي 30 مليون عام، فقد وجدت في آثار عين غزال، والتي تم الكشف عنها في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ، تماثيل من العصر الحجري والتي صنعت منذ حوالي ستة آلاف سنة قبل الميلاد.و تشير المكتشفات الأثرية على طول مجرى النهر إلى أن المنطقة كانت غنية بالنباتات والحيوانات في الماضي وتعود إلى العصر الطباشيري السفلي (135 مليون عام).قال عنه ياقوت الحموي: «نهر عظيم، غزير المياه، وفيه سباع كثيرة مذكورة بالضراوة، وتكثر حوله النباتات الملتصفّة وأشجار القصب». منذ ان ودع جيلنا الزرقاء وتحديدا جناعة التي لم يكن فيها سوى مدرسة ابتدائية واحدة ونحن نحِن اليها وللزرقاء .بين فترة واخرى ازورها ، أتجول في ازقتها و أمر امام بيت ابي القديم الذي تربيت فيه حتى التوجيهي .ايامها كنا ندرس على «الضو نمرة اربعة « قبل ان تدخل جناعة عصر الكهرباء ! اخذتني الغربة الى الكويت والامارات والبحرين لكن ظل الطفل ابن جناعة حياً داخلي يشدني اليها كلما ابعدتني ظروف الحياة . بقية مقال رشاد ابو داود المنشور على الصفحة الاولى الجزء الثاني تقرأ خبرا لاكتشافات التي توصل اليها اساتذة الجامعة الهاشمية فتصاب بالذهول، وتعرف انك كنت تسكن مدينة تاريخية قديمة كانت تسمى جادا او مدينة الحديد، وأن جناعة شهدت مقتل عتبة بن ابي لهب الذي دعا عليه الرسول بان تاكله الاسود فخرج من مكة في تجارة الى الشام فأكله اسد في منطقة جناعة، وأكد مؤرخون وقوع تلك الحادثة في وادي الزرقاء مثل الجزيري في كتابه (درر الفرائد ) وبكبريت في كتابه (رحلة الصيف والشتاء ، كما اكد الرحالة الأوائل كثرة انتشار الأسود في الزرقاء ومنهم الرحالة الألماني بيركهارت الذي اكد كثرة تواجد الأسود في منطقة وادي الزرقاء ، فضلا عن إشارة تغريبة بني هلال إلى سباع الزرقاء . وفي دراسة ميدانية في المنطقة الواقعة ما بين قصر شبيب (حيث مدرستي الثانوية ) و جناعة (بيتي ) وخاصة جانبي نهر الزرقاء وداخل الأحياء السكنية ومنطقة الورش والمصانع والمزارع أكدت النتائج انتشار كثيف للكسر الفخارية من العصر الروماني والبيزنطي والإسلامي وبقايا بعض الأعمدة التي ما زالت ملقاة على جانبي السيل . جاءت هذه المكتشفات التي اكدها البروفيسور محمد وهيب ، متشابهة تماما مع الصور الجوية الملتقطة عام (1951) إذْ تتطابق بشكل كبير مع ما تم اكتشافه وما وصفة الرحالة القدامى حول حي جناعة إذْ يشير كل من برونو ودماسفسكي وكيندي من الرحالة والمؤرخين القدامى إلى القرية الكبيرة التي كانت هنا والمسماة (خربة حديد ).يقول البروفيسور وهيب ل»عمون» ان هذه الحقائق العلمية مثبته واخرها خارطة بوتنجر الرومانية - البيزنطية التي اكدت ان لقافلة قريش محطة في الزرقاء وكان اسمها حتيت , و تصل قافلة قريش الى ام الرصاص ثم عبر مواقع الرميل والزعفران وماسوح وحسبان والجويدة تصل القافلة الى كهف الرقيم في ابو علندا ثم تصل القافلة الى موقع مبرك ناقة الرسول الذي وثقه الانجليزي ‹›››››››كوندر›››››››› على اطراف وادي الزرقاء ,ثم تنحدر القافلة الى موقع المحطة وعين غزال وصولا الى محطة ضخمة اسمها خربة الرصيفة كانت مساحتها مئة دونم ومازالت بقاياها وكهوفها ماثله للعيان واكدتها خارطة بوتنجر العالمية واسمتها / جادا ثم تصل القافلة الى الزرقاء, وهي الزرقاء القديمة / حي جناعة ,واسمتها الخارطة (حتيت) ولا زال اسم حوض الاراضي ليومنا (حديد) حيث كانت المباني الضخمة منتشرة واثبتتها الصور الجوية القديمة , وتستمر القافلة عبر وادي الزرقاء وصولا الى تل البيرة ثم الى الحمام الساخن ويسميه السكان المحليين حمام البنت ولا زالت الاعمدة الميلية على جانب الطريق ,ثم تستمر القافلة صعودا الى جرش التي وصلها الرسول الكريم مرتين برفقة ميسرة خادم خديجة رضي الله عنها. ان كنا نختلف في السياسة والانتخابات فان التاريخ يجمعنا ويؤكد ان جناعة شقيقة السخنة لها سيرة ،بل سيرة موغلة في التاريخ .
(الدستور 2016-09-07 )