جدل الاتفاق.. اتفاق الجدل!
بات مستقبل اتفاق جنيف بين لافروف وكيري, في مهب الريح بل على كف عفريت، خصوصاً بعد فشل اجتماع مجلس الأمن فجر أمس, نظراً لاصرار واشنطن على إبقاء وثائق «الاتفاق» طي الكتمان ورفضها المطلب الروسي بنشر «كامل» بنوده وعدم الإبقاء على أي منها «سِرّياً», وهو أمر التفت اليه عواصم اوروبية حليفة وعلى رأسها باريس, التي وإن كانت تبحث عن موطئ قدم لها في سوريا بعد ان رأت نفسها في مربع الخاسرين او المهمشين, إلّا ان «تتساوى»و حال عواصم عربية عديدة, ظنّت ذات يوم, لفرط سذاجتها وبؤس خيالها السياسي والدبلوماسي, انها «رقم صعب» في معادلة الحرب في سوريا وعليها، فإذا بها مجرد «كومبارس» لا يحفل به أحد إن غاب او حضر, محتجاً او غاضباً او مهدداً بقلب الطاولة على رؤوس الجميع, كونه اصغر واقل شأناً وقدرة من تنفيذ تهديده، ينسحب الأمر كذلك على تركيا التي «رحّبت» بالاتفاق وأبدت تأييدها «العلني».. له.
ما علينا..
ثمة قُطْبة – بل ربما قُطَبٌ – مخفية في هذا الرفض الاميركي غير المبرر لنشر وثائق الاتفاق ما بالك باعتماده في مجلس الأمن عبر قرار ملزم لكل الاطراف وعدم اقتصاره على توقيع موسكو وواشنطن، مما يدفع للاعتقاد بأن الأمر أبعد واكثر عمقاً مما صدر حتى الان من تفسيرات غير مقنعة تذرع بها كيري هو «حساسية»وأهمية عدم استفادة معارضي هذا الاتفاق من البنود الأمنية فيه. بدليل ان موسكو لا تبدي قلقاً كهذا, رغم حرصها على عدم السماح لأحد بتعطيله, بل هي وقد اقترحت عرضها كاملة على مجلس الأمن واستصدار قرار رسمي باعتمادها, انما ارادت تحصينها وسحب الذرائع من قِبَل اي جهة وخصوصاً اقليمية شرق اوسطية، تريد استمرار استثمارها في الجماعات المسلحة التي ترفض معظمها اعتبار جبهة النصرة (جبهة فتح الشام حالياً) تنظيمياً ارهابياً على النحو الذي لحظناه في البيان المشترك الذي اصدرته تلك المجموعات بايحاء وتحريض ودفع من عواصم اقليمية – بعضها عربي – لنسف الهدنة وعدم تطبيق بنودها وبخاصة الانسحاب من محيط طريق الكاستيلو الذي كان من المقرر إدخال المساعدات الانسانية عبره الى الاحياء الشرقية من مدينة حلب.
هل قلنا الجماعات المسلحة؟
نعم إذ نص اتفاق جنيف (لافروف وكيري) على ان تقوم واشنطن بتسليم موسكو إحداثيات تواجد المجموعات المسلحة (الموصوفة..معتدلة) والتي ستُستَبْعَد من الضربات المشتركة التي ستقوم بتنسيقها «الخلية المشتركة» الروسية الاميركية التي ستنهض بمهمة توجيه الضربات الى داعش والنصرة، وإذ سلمت واشنطن (اخيراً) القائمة فإذا بها «تضم مجموعة من الفصائل الارهابية التي تتعاون (علناً) وفي شكل مفضوح مع جبهة النصرة» على ما قال ناطق روسي , قَصَدَ تحديداً جيش الاسلام وحركة احرار الشام وهما فصيلان وردا في القائمة الاميركية كتنظيمين «معتدلين».
هنا تكمن المراوغة الاميركية التي تريد وبخاصة بعد تصريح الرئيس اوباما بأن واشنطن «لن تواصل تطبيق بنود الاتفاق إلاّ بعد إغاثة المناطق المحاصرة» ما يعني ان الاتفاق بات الان مهدداً بالانهيار, ولم يعد الرهان على اجتماع يوم غد الاثنين في نيويورك كبيراً، لأن شروط إدخال قافلة المساعدات تصطدم بعقبة التفتيش التي يريد الطرف الاميركي ان لا يكون موجوداً اطلاقاً (التفتيش) وهو أمر ترفضه دمشق كما تساندها في ذلك موسكو, التي تتخوف هي الاخرى من إمكانية تكرار خديعة هدنة شباط الماضي، حيث لا توجد اي ضمانات حقيقية بعدم إدخال اسلحة مع تلك المساعدات على النحو الذي فعلته المخابرات التركية قبل فترة وفضحتها «صُوَر» الصحافة التركية التي تعرضت لحملة شرسة من التنكيل والمطاردة جراء كشفها هذا.
ثم..
إن ما لفت اليه نائب الوزير الروسي بوغدانوف من الاتفاق لم يُشر ابداً الى «مصير» الرئيس الأسد او يتحدث عن المرحلة الانتقالية، يعكس – ضمن امور اخرى بالطبع – سبب هذا الاصرار الاميركي على رفض نشر وثائق الاتفاق, ناهيك عن وضوح العجز الاميركي (اقرأ المراوغة) في إخراج النصرة واحرار الشام وجيش الاسلام من قائمة الارهابيين, وهو أمر لَخّصه بذكاء الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية عندما قال: الفشل حليف جميع المحاولات التي يبذلها شركاؤنا الاميركيون لاظهار ولو ادنى درجات السيطرة على معارضيهم. بل هو ذهب ابعد من ذلك في وصف لاذع «آخر» بالقول: يتعذر على ما يبدو، على شركائنا الاميركيين العثور في حلب, على المعارضين المعتدلين والذين كثيراً ما حُكيّ عن انضباطهم والتحَكّم.. بهم.
الى اين من هنا؟
الاسبوع الحالي سيكون حاسماً لمعرفة مصير اتفاق جنيف ,لان الجميع «يعترف» بأنه الفرصة الاخيرة, ليس فقط للقيام بعمل اميركي روسي مشترك لضرب الارهابيين، وإنما ايضاً لاعادة اطلاق العملية السلمية وتحسين الوضع الانساني على الاراضي السورية كافة, أما غير ذلك فدونه الفوضى والدمار, واحتمال خروج الامور عن نطاق السيطرة, وبما «قد» يُفضي الى حرب «اقليمية» طالما تم الإلحاح» عن ضرورة تفاديها وبأي ثمن.
2016-09-18