الأمريكي الطيب والروسي الشرير!

تم نشره الأحد 18 أيلول / سبتمبر 2016 12:36 صباحاً
الأمريكي الطيب والروسي الشرير!
عريب الرنتاوي

تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، والتغطية الإعلامية الأمريكية للأحداث في حلب وجوارها، ترسم صورتين متناقضتين تماماً ... صورة الأمريكي الطيب، الذي يشترط إدخال المساعدات الإنسانية لمناطق حلب المحاصرة، ووقفاً شاملاً للأعمال العدائية في سوريا، من أجل الشروع في تعاون عسكري مع روسيا ضد الإرهاب ... مقابل صورة الروسي الشرير، التي تجسدها شخصية «القيصر» الداعم بلا تحفظ لـ «ديكتاتور دمشق»، واللذان لا يأبهان لمعاناة المدنيين الأبرياء، وجل ما يهمهما هو إبقاء الأخير في سدة الحكم وبأي ثمن. ولكي تكتمل الصورة، تُكْثر التغطيات الإعلامية من التقارير عن الشاحنات المحمّلة بـ «نسغ الحياة» والتي تنتظر في طوابير طويلة في مناطق سيطرة الجيش التركي داخل الأراضي السورية لتصل إلى أطفال سوريا الجياع، وكيف أن النظام يمنع دخولها، ويصر على تواجده العسكري الكثيف على طريق الكاستيلو، فيما خروقاته للهدنة لا تتوقف أبداً، ومن دون تمييز في الاستهداف بين معارضة معتدلة وأخرى متطرفة أو إرهابية، أو حتى بين مدنيين ومسلحين. من دون الغوص في تعريف المعرف، سواء حول «ديمقراطية القيصر» أو «ديكتاتورية الأسد»، فإن المراقب يحتاج لأن يكون ساذجاً تماماً لكي يصدق هذا الفيض من الافتراءات والحقائق المقلوبة، ويقبل بهذه البروباغندا التي تكذبها حقائق التاريخ وجغرافيا الحروب الأمريكية في المنطقة والعالم، وعلى امتداد سنوات وعقود مضمخة بدماء الأبرياء من هيروشيما وناغازاكي مروراً بفيتنام وكوريا وليس انتهاء بسوريا والعراق وليبيا واليمن. ومن دون الغوص ثانية في ثنايا التاريخ وصفحاته المقروءة، سنكتفي باستحضار نماذج دالة على «ازدواجية المعايير» الأمريكية في حلب وأكنافها فقط، حيث تعطي الإدارة الأمريكية وأجهزتها الأمنية والدفاعية والإعلامية، أذنا من طين وأخرى من عجين، لكل الجرائم التي تمارسها معارضة واشنطن المعتدلة، ضد الأحياء الغربية من المدنية، والتي لم تسلم من قذائف «الاعتدال» حتى في أيام الهدنة القليلة الفائتة ... والشيء ذاته، تفعله واشنطن وهي تدير ظهرها للمناطق المحاصرة المحسوبة على النظام، والتي تتعرض بدورها لعمليات تجويع وتركيع من قبل «رسل الحرية ومقاتليها» المدربين على يد البنتاغون والسي آي إيه، والمجهزين بالأسلحة الأمريكية، المدرجة أسماؤهم على «قوائم الدفع» بالعملة الصعبة. لم تكلف واشنطن نفسها عناء التأكد من صحة «مزاعم» موسكو حول سحب الجيش السوري لأسلحته الثقيلة عن محور الكاستيلو وفقاً لبنود الاتفاق، ولم تعط بالاً لصور الأقمار الصناعية التي أظهرت حشوداً لجيش الفتح (اقرأ النصرة) على مقربة من هذا الشريان الاستراتيجي، ولم تصدر أية «إيجاز» حول الخروقات المتبادلة لاتفاق التهدئة ... لا شيء من هذا يثير «الإنساني» في المواقف والسياسات الأمريكية ... التركيز هنا يجب أن ينصب على هدف واحد: «القيصر ليس موضع ثقة»، «والديكتاتور لم يرو ظمأه للدم»، وهما يتحملان بالتضامن، وزر ما يجري من عرقلة وإعاقة للاتفاق المذكور، مع ان بعض الفصائل المسلحة، التي تدرجها واشنطن في خانة الاعتدال، أعلنت رسمياً رفضها للتهدئة، ورفضت رسمياً فك ارتباطها بالنصرة ... كل هذا غير مهم، طالما أن المطلوب «قتل الناطور وليس قطف العنب». القصة باختصار، أبعد ما تكون عن «الحس الإنساني المرهف واليقظ» الذي تتحلى بها واشنطن ... «الإنسانية» هنا تستحضر لغاية واحدة فقط، سياسية بامتياز: إبقاء حرب الاستنزاف مفتوحة على مصراعيها، لتنال من صورة «القيصر» وهيبته، وتنهك النظام وحلفائه وتبقي الجماعات الإرهابية في قبضة المناطق المحاصرة وتحت مرمى النيران ... فهذه حرب نموذجية للولايات المتحدة، وبالأخص لإسرائيل، فكل من يقاتل ويقتتل أو يقتل فيها، هو عدو موصوف للحليفتين الاستراتيجيتين، وإن بأقدار متفاوتة. القصة أبعد ما تكون عن «الإنسانية»، فواشنطن العاجزة عن التحكم بالجيوش المسلحة بسلاحها الحديث وعقائد غيرها البالية، عقائد التكفير والكراهية، لا تجد وسيلة للتغطية على فشلها في «ضبضبة» الحلفاء والمريدين، سوى بالترويج لصورة الأمريكي الجميل والروسي القبيح، و»الإنسانية» هنا، كما الديمقراطية وحقوق الانسان في أماكن كثيرة من العالم، يمكن أن توظف كسلاح جبار، يجري استحضاره عند الحاجة، ويجري إسكاته إن اقتضت الضرورة... وقديما قيل، لا صداقات ثابتة في السياسة بل مصالح ثابتة، وغداً سيقال لا مبادئ ثابتة في السياسة بل مصالح ثابتة. 

2016-09-18



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات