هل يرسم «الخطأ» خريطة المنطقة ومستقبلها ؟!
التطورات الاخيرة العسكرية المتسارعة في سوريا اكدت ان لعبة الدول والامم ، داخل سوريا وحولها ، أكبر من الهدنة ، واكثر من تقديم مساعدات انسانية للمحاصرين ، واكبر من الحرب الاهلية ،لأن الصراع في سوريا لم يعد بين النظام والمعارضة ، فالقضية اصبحت رهينة التأزم بين تحالفات دولية ، بل قلب الصراع بين الدول الكبرى على المصالح في المنطقة ، وهو الواقع الذي يمنع الحسم العسكري ، كما يعرقل الحل السياسي . لذلك بقيت القضية تراوح في مكانها طوال هذه المدة ، ولا اعتقد ان الحل سيظهر في الافق المرئي القريب .
الثابت اليوم ، أن الولايات المتحدة التي تحتل قواتها مواقع داخل الاراضي السورية الشمالية ، وترفرف اعلامها فوق التراب السوري ، تقاتل مع الفصائل الكردية تحت عنوان « مستشارون عسكريون « . وفي الوقت ذاته تقدم الدعم والحماية لتنظيمات مسلحة اخرى ، بل ذهبت الى ابعد من ذلك فقصفت طائراتها مواقع للجيش السوري في دير الزور ، تحت عنوان « الخطأ» !!، وهو ما يؤكد ان واشنطن لن تسمح بحسم عسكري سوري في الشمال ، وهي التي تسارع الى طلب وقف اطلاق النار وفرض الهدنة في كل مرة يحقق فيها الجيش السوري انجازات عسكرية على الارض .
بالمقابل ، القيادة الروسية ، التي وصلت سفنها الى المياه الدافئة شرقي المتوسط ، وأنشأت قاعدة جوية لطائراتها في حميميم ، تسعى الى عدم الانفراد في حل المسالة السورية ، أو التغلغل في الحرب السورية كثيرا ، وكل جهودها السياسية والعسكرية تتمحور حول هدف واحد هو عد السماح باسقاط النظام أوتفكيك الدولة ، أو اي حسم عسكري ضد النظام يتحقق عبر تدخل عسكري خارجي ، لذلك تحول موسكو جر بعض الاطراف الاقليمية والدولية للمشاركة في ايجاد حل سياسي للازمة السورية ، كي تضمن عدم التصعيد ، وبالتالي تتجنب شرور هذه الدول ، وبالذات الولايات المتحدة التي تدخلت عسكريا في الشمال ، وكذلك تركيا .
واللافت أنه في الوقت الذي تم فيه الأعلان عن التوصل الى اتفاق بين لافروف وكيري حول الهدنة في سوريا ، ارتفعت الاصوات الاميركية التي تتحدث عن تقسيم سوريا والعراق ، فقد شكك رئيس وكالة المخابرات الاميركية جون ترينان بامكانية عودة سوريا الى دولة موحدة بنظام مركزي . وجاءت الضرية الجوية الاميركية للجيش السوري في دير الزور لتلقي المزيد من الشكوك حول الدور الاميركي في سوريا .
هذا الواقع ، الطافح بالفوضى والعنف ، والتطورات السياسية والعسكرية المتسارعة ، فتح شهية بعض الدول الاقليمية الطامعة الواهمة ، لاعتقادها ان خريطة سوريا وضعت فوق طاولة التقسيم ، وخصوصا تركيا ، المتضررة من المشروع الاميركي بدعم قيام اقليم « كردستان سوريا» في الشمال ، فاتحة لمشروع التقسيم . هنا تعارضت المصالح الاميركية مع المشروع التركي أو حلم اردوغان ، فقامت القوات التركية باجتياح الحدود ، تحت مظلة التنظيمات المعارضة ، وتوغلت دباباتها في الاراضي السورية ، رافعة العلم التركي ، خارقة سيادة بلد مجاور ، دون اعتراض من الشرعية الدولية .
الثابت ان تركيا ، الداعمة للتنظيمات المسلحة الارهابية ، اجتاحت الاراضي السورية بهدف مقاتلة الاكراد ، ومن أجل دعم التنظيمات المسلحة المتعاونة معها ، وكذلك من اجل فرض منطقة آمنة تابعة للسيطرة العسكرية التركية ، وهو مطلب تركي قديم جديد ، وربما يكون مشروع تقاسم تركي - اسرائيلي ، لأن اسرائيل حركت قواتها على الحدود مع سوريا عبر نشاط عسكري ملحوظ ، تزامن مع الاجتياح التركي للحدود السورية ، وقصفت مواقع عسكرية سورية ، وقد يتطور الامر الى ما هو ابعد بهدف توظيف الواقع السوري من اجل طي ملف الجولان المحتل .
اخيرا نقول : أن التطورات تتسارع ، والتحالفات تتغير ، في ظل تحولات تاريخية خطيرة ، تؤكد ان الصراع في سوريا وعليها يصنع تاريخ المنطقة ومستقبلها .
(المصدر: الرأي 2016-09-19)