الانقلاب على المبدأ والقتل باسم الدين... خامنئي نموذجا
تقوم السردية الشيعية على جملة من العناصر، لعل أهمها “سرقة” الصحابة للولاية من الإمام علي بن أبي طالب، الإمام الغائب الذي ولد واختفى (هناك من الشيعة من ينكر القصة بالطبع، ولأحمد الكاتب كتاب مهم في هذا السياق). أما الثالثة التي تنهض بوصفها الأهم، فهي “الكربلائية” ممثلة في قصة الحسين رضي الله عنه، والذي يحتل المكانة الأبرز في الفكر السياسي الشيعي، بينما يغيب شقيقه الحسن بشكل واضح، وإن حضر لزوم نبذ التناقض بوصفه الإمام الثاني في التراتبية المعروفة. الحسين هو الأيقونة في الفكر السياسي الشيعي؛ كان ولا يزال، وفكرته في الخروج على “حكام الجور” هي الأساس، فبينما اختار أهل السنّة تفضيل الوحدة على العدل، ورفض ما سمّوه “الفتنة”، رغم تواصل “الفتن” والخروج على الحكام من بعضهم، اختار الشيعة نهج الحسين، ممثلا في رفض الاعتراف بشرعية “حاكم الغلب”، والانحياز للخروج عليه. في خروجه الشهير (هو قبل التسوية لاحقا ورفضها جيش يزيد)، لم يكن اعتراض الحسين على يزيد متعلقا بسياسته الخارجية، فقد كانت جيوش الأخير تفتح الأمصار، وكان المد الإسلامي في ذروة تألقه يواجه أكبر القوى في العالم ويلحق بها الهزائم، بل كان اعتراضه على الفساد والجبر، وإذا قيل إنها القناعة بالتحديد الإلهي للولاية، فهذا يعني إدانة للإمام الحسن الذي قبل بولاية معاوية، وكان اتفاق الصلح معه ينص على إعادة الأمر من بعده (بعد معاوية) شورى بين المسلمين، وليس تراتبية في آل البيت. هذه المعادلة التي لا خلاف عليها، حتى لو سلّمنا بقصة الولاية في آل البيت، وليس الأمر كذلك، تعني أن خروج الحسين على يزيد يتعلق بالجبر والظلم والفساد، وليس بالسياسة الخارجية، وهنا تنهض فضيحة خامنئي، قبل أن تكون فضيحة الآخرين، والسبب أنهم اتبعوه ولم يختاروا بعد أن سلم أكثرهم أنه “ولي أمر المسلمين”، بحسب تعبير حسن نصر الله. في سوريا، افتضح تناقض خامنئي مع الحسين الذي يرفع رايته، فقد خرج الشعب السوري على بشار لأنه دكتاتور وفاسد (الحديث عن كونه حاكما منتخبا هو الأكثر إثارة للسخرية، لأن الجميع يعرف كيف أصبح حاكما)، تماما كما خرج التوانسة والمصريون والليبيون واليمنيون، ولم يكن للأمر صلة بالسياسة الخارجية، ومكث السوريون في الشوارع 6 شهور يبذلون الدم دون رصاصة واحدة، ومن أخرج “الجهاديين” من السجون بعد ذلك هو بشار، وهو يعرف النتيجة تماما، من دون أن يعني ذلك إدانة لمن حملوا السلاح دفاعا عن أنفسهم وشعبهم. هكذا وقف خامنئي، ومن ورائه الأتباع، مع الطاغية الفاسد ضد الشعب، في تناقض سافر مع مبدأ الحسين، ولم يتوقف عند ذلك، بل دعم سرقة ثورة شعب اليمن من خلال أتباعه بالقوة، وأيضا بالتحالف مع الطاغية الفاسد الذي ثار الشعب ضده، فأين ذلك من أوامر الله عز وجل، ومن مبدأ الحسين أو آل البيت الذين يتشدق بالنطق باسمهم؟! لا شك أن كثيرين يقتلون باسم الدين، وباسم الله، وليس خامنئي وأتباعه وحدهم، لكن الفرق كبير بين من انقلب انقلابا سافرا على أساس عقيدته، وبين من أخطأ البوصلة، أو جاء فعله ردا على فعل آخر. لقد انحاز أسامة بن لادن لربيع العرب، واعتبره تحولات تاريخية، وطالب أتباعه بالانسجام معه وترك السلاح، لكن خامنئي الذي اعتبره (أي ربيع العرب) “صحوة إسلامية”، ما لبث أن انقلب عليه حين هدد مصالحه السياسية في سوريا. فمع من التقى بفعله ذاك بالله عليكم.. مع الحسين أم مع يزيد؟!!
(المصدر: الدستور 2016-09-19)