ثورة كبرى في عمل فني كبير..

تم نشره الثلاثاء 20 أيلول / سبتمبر 2016 12:15 صباحاً
ثورة كبرى في عمل فني كبير..
محمد كعوش

عندما انتهى عرض الجزء الثالث من فيلم « الثورة العربية الكبرى « شعرت بشيء من الحيرة والارتباك ، هل اكتب عن أول ثورة عربية ، واول مشروع نهضوي عربي من خلال السرد التاريخي الموثق منطلقا من دراستي الاكاديمية للتاريخ ، أم اكتب عن جماليات الفيلم التسجيلي الدرامي برؤية فنية بصرية ؟.

في النهاية انحزت الى الكتابة عن الثورة الكبرى والفيلم السينمائي الكبير كعمل سياسي فني تاريخي متكامل وجامع ، وهو الفيلم الطويل الذي كتبه واخرجه الفنان الشاب اصيل خيري منصور ورولاند ماي ، حيث استغرق اخراجه وانتاجه واعداده للعرض حوالي العامين ، ليكون اهم واكبر عمل فني اردني.

الفيلم مهم بمضمونه وموضوعه وشكله ، وهو مشغول بمهنية ابداعية عالية ، حيث قدم الثورة العربية الكبرى بكامل تفاصيلها واهدافها ومقاصدها في الذكرى المئوية للثورة ، التي كانت ولا تزال أول واكبر مشروع نهضوي عربي. وقد يكون عرض الفيلم من حيث التوقيت مهم جدا لأنه يشكل رسالة للمشاهد العربي في هذا الوقت الصعب ، خصوصا الذين يتابعون التطورات والأحداث في سوريا والعراق وباقي الأقطار العربية الغارقة في الفوضى والعنف ، وهي الحالة التي تعود جذورها الى المربع الأول ، واعني مرحلة فشل المشروع العربي الأول نتيجة الخديعة الغربية والغدر الذي لم ينقطع حتى اليوم. الحقيقة أن الفيلم التزم الدقة التاريخية والصدق والأمانة والحياد ، فقدم الوقائع التاريخية كما هي ، وفي اطار الحقيقة ، بل كشف الكثير من التفاصيل الموثقة التي كانت غائبة ، والأهم انه انصف الشريف الحسين بن علي ، الذي كان أول الصامدين واكبر المضّحين في سبيل تحقيق مشروعه العربي الرائد ( الحلم العر بي ) ، الذي رفض التسيم وتمسك بالوحدة العربية ، وهو المشروع النهضوي الذي الهم الكثيرين من بعده ، ووما زال يشكل خلاص العرب في هذه المرحلة ، خصوصا في هذه المرحلة التاريخية المصيرية.

وعندما نتحدث عن الفيلم كعمل فني كبير ومميز توّج احتفالات المئوية للثورة الكبرى ، نستطيع القول ان الفنان اصيل خيري منصور ورولاند ماي نجحا الى حد بعيد في كتابة سيناريو واخراج الفيلم ، رغم صعوبة ونوعية العمل. والنجاح ظهر بوضوح من خلال السيطرة الكاملة على ادارة هذه الجموع في المشاهد التمثيلية الدرامية ، كما نجحا في استخدام وتوظيف الوثائق خلال السرد التاريخي ، اضافة الى دمج شهادات المؤرخين ضمن الجدول الزماني والمكاني داخل التسلسل الدرامي ، وفي مقدمتهم الدكتور علي محافظة والدكتور مهند مبيضين ويوجين روغان وجيمس بار ، كما يجب أن لاننسى أو نتجاهل المرونة في حركة الكاميرات ، وتشكيل الكادرات البصرية المعبرة بابداع ظاهر ، اضافة الى الموسيقى التعبيرية للفنان طارق الناصر التي كانت مرافقة ولافتة ومعبرة.

هذا العمل الفني الكبير المميز ، وبهذا الحشد من الممثلين والعتاد والملابس ومسرح الاحداث البيئي ، اعادنا الى زمن ما قبل مئة عام ، واعد احياء الثورة في الذاكرة العربية. الحقيقة أن الفيلم اشعرني بالفخر والاعتزاز ، حيث حقق الفنانون الاردنيون نجاحا كبيرا الى جانب رفاقهم من الفنانين البريطانيين والاتراك. واعتقد ان الفنان حابس حسين نجح الى حد بعيد في تجسيد شخصية الشريف حسين ، التي تميزت بالهدوء والحكمة والاصرار والغضب ، اضافة الى البعد النفسي. واللافت ايضا نجاح الفنانين رشيد ملحس بدور الامير عبدالله الاول وخالد الغويري بدور الامير فيصل الاول.

الحقيقة أن فيلم الثورة العربية الكبرى انعش ذاكرتنا ، واعاد طرح موضوع الصناعة السينمائية الاردنية. لا شك أن بعض المشاهدين عاصر البدايات السينمائية الاردنية منذ نهاية الخمسينات ، واعني فيلم صراع في جرش ، وفيلم وطني حبيبي الذي لقي الدعم من الجيش العربي من حيث العتاد الحربي ومشاركة اعداد من الجنود في المعارك ، وما تبع ذلك من تجارب ومحاولات لصناعة سينما وطنية ، الا ان الاعمال السابقة كانت محاولات فردية انتهت برحيل اصحابها ، ولم يكتب النجاح لقيام صناعة سينمائية حقيقية منافسة ، بسبب عزوف الراسمال الوطني من خوض غمار هذه الصناعة او دعمها ، رغم انها صناعة مربحة. اليوم ، وبعد انتاج هذا العمل السنمائي الكبير بمستواه العالمي ، نستطيع القول ان هذا الفيلم يؤسس لصناعة سينمائية اردنية حقيقية ، في حال تم توفير الاستثمار الوطني الشجاع ، ولا أقول المغامرن لأن كل اسباب النجاح متوفرة بوجود هذا الكم من الكفاءات الفنية الوطنية ، ومن الممكن التعاون مع كفاءات عربية واجنبية كما يحدث في الاعمال المشتركة الكبيرة.

(المصدر: الرأي 2016-09-20)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات