حول هجاء عمليات الطعن والدهس وموقف السلطة
يحلو لمتفذلكين من هنا وهناك أن ينتقدوا عمليات الطعن والدهس التي يقوم بها شبان فلسطينيون بين حين وآخر، والتي تجددت بشكل لافت خلال الأيام الماضية، والسبب أنها لا توجع المحتلين برأيهم. ابتداءً يمكن القول إن هذه النظرية الأخيرة ليست صحيحة لمن يتابع مجتمع الاحتلال الذي عاش رعبا حقيقيا خلال الشهور الماضية بسبب تلك العمليات، رغم خسائرها غير الكبيرة، فهو مجتمع غارق في الاستهلاك، وليس مجتمعا عقائديا كما كان خلال عقود مضت، وبالتالي، فإن أية مخاوف، مهما كانت بسيطة تصيبه بالرعب. هذا من دون أن ننسى بعض عمليات إطلاق الرصاص التي وقعت، والتي كانت مؤثرة أيضا. مع ذلك، فإن من يهجون هذا اللون من العمليات، لا يتوقفون مليا عند هذه الظاهرة في أبعادها الوطنية والدينية، ولا في الأسباب والدوافع، فيما يذهب قادة السلطة نحو تفسير بائس وعقيم، بل رخيص في واقع الحال، حين يحيلون تلك العمليات إلى ما يسمونه “اليأس”، لكأن الياس ينتج بطولة وإقداما وتضحية، وليس إحباطا، وربما سقوطا في بعض الأحيان. لا يتوقف أولئك عند حقيقة أن هذا اللون من التضحية ليس هو الوحيد في الساحة الفلسطينية، بل هناك ما هو أصعب وأقسى، فأن يأخذ الغزاة يوميا وجبة من أبنائنا إلى السجون ليمضوا فيها قسطا وافرا من أعمارهم، فهذا لا يتذكره أحد، ومن يتابع الإعلام يوميا، سيرى أن هناك ما يقرب من 15 شخصا يتم اقتيادهم إلى السجون كمعدل يومي، من دون أن ينفذوا أية عملية من أي لون، وبالطبع في سياق من مساعي تركيع الشعب، ولا تسأل بعد ذلك عن كل ما ينتجه الاحتلال من معاناة، هذا إذا تجاهلنا أن وجود الاحتلال من حيث أتى، وسرقته للأرض، والاستيطان والتهويد هي كلها سبب كافٍ للمقاومة، حتى لو لم تكن هناك اعتقالات ولا إهانات على الحواجز، ولا استيطان جديد، ولا تهويد للمقدسات. ما يفعله هؤلاء الشبان ينبغي أن يوجّه اللوم، بل حتى التجريم ضد أولئك الذين يرفضون أن يأخذ الشعب المبادرة ويشرع في مقاومة الغزاة بكل ما أوتي من قوة، ويجعل كلفة الاحتلال عالية. إننا إزاء فئة ترفض المقاومة من حيث أتت، وليس البنادق والسكاكين وعمليات الدهس فقط، بل إنها تذهب أبعد من ذلك حين ترفض حتى المقاومة الجماهيرية التي تشتبك مع حواجز الاحتلال، ويقول قائلهم بكل ابتذال بأنه يفتش حقائب أولاد المدارس، ويكرر أنه لن يسمح لهم بالاشتباك مع حواجز الاحتلال بما يؤدي لقتلهم. لا شيء لدى هؤلاء يقدمونه، فقد جربوا عبثهم التفاوضي زمنا طويلا، ولم يفض إلى أي شيء، سوى سلطة تحت عباءة الاحتلال، يستمتع بها البعض وبمكاسبها، ومن ينتظر بطاقات ال “في آي بي” من المحتلين، لن يتجرأ على السماح بمقاومتهم بأي حال، وكم مرة سمعنا تهديداتهم بوقف التعاون الأمني من دون أن يتجرأوا على فعل ذلك. في ضوء ذلك تغدو التحية كل التحية والإجلال والإكبار من حق أولئك الشبان الذي يبادرون إلى مقاومة عدوهم بما تيسر (انضم إليهم شهيد الكرك الأردني سعيد العمرو، تقبله الله، وذلك كعنوان لتوحد الأمة خلف قضية القدس)، فيما ينبغي أن تتوجه الإدانة لأولئك الذي يرفضون الانحياز لخيار الشعب في مقاومة الغزاة، تماما كما فعلت كل الشعوب الحرة على مدار التاريخ. للشهداء والأبطال المجد، والعار للمتعاونين مع العدو.
(المصدر: الدستور 2016-09-21 )