أسئلة يوم الاقتراع
حظيت الانتخابات النيابية 2016 باهتمام متميز من قبل وسائل إعلام عربية ودولية، لاحظنا ذلك في حجم الحضور زيادة مساحة التغطية وتنوع القضايا المثارة على هامشها، وأحسب أن عشرات ساعات البث، قد كرست لتغطية الاستحقاق، ظهر في أثنائها عشرات المحللين والسياسيين والمرشحين وذوي الخبرة والاختصاص على الشاشات الفضية. لماذا هذه الانتخابات مختلفة، وأين تكمن أهميتها؟ سؤالان ترددا كثيراً على مسامعي خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة، من قبل مراسلين وصحفيين عرباً وأجانب، إجابتي تركزت في نقطتين اثنتين: الأولى، إنها المرة الأولى منذ ربع قرن تقريباً، التي تجري فيها الانتخابات بعيداً عن قانون “الصوت الواحد للناخب الواحد” سيئ الذكر، وهو القانون الذي أضعف الحياة السياسية والحزبية والمدنية في البلاد، وأنعش الولاءات والهويات الثانوية في مجتمعنا ... القانون الجديد، على عجره وبجره، اطلق ديناميكيات جديدة في الحياة السياسية والاجتماعية، ستتضح آثارها الإيجابية في قادمات الأيام والسنين. أما السبب الثاني، فيتعلق بمشاركة الإسلاميين (جماعة الإخوان عبر ذراعها السياسي حزب جبهة العمل) في الانتخابات، بعد عقد تقريباً من المقاطعة، وهي المشاركة التي أطلقت بدورها حراكاً سياسياً وحزبياً نشطاً، وتؤسس لبرلمان مكتمل لنصابه السياسي، كذلك شاركت في الانتخابات أحزاب يسارية وقومية صغيرة، سبق لها وان قاطعت انتخابات 2010 و2013. بهذا المعنى، تبدو الانتخابات مهمة ومختلفة، فمن المتوقع أن يطرأ نوع من الهدوء على العلاقة بين “الدولة” و”الإخوان” في قادمات الأيام، بعد عامين أو ثلاثة أعوام من التراشق بالاتهامات والإجراءات، وهذا أمر مفيد لتعزيز الجبهة الداخلية وتحصين الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية. لم آخذ على محمل الجد، الأقوال التي تفاخر بإجراء الانتخابات في الأردن المحاط بإقليم مضطرب، فالدول المضطربة ذاته، أجرت خلال السنوات الخمس، عدة انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، فما بال البعض منا، يتحدث كما لو كان تنظيم الانتخابات عملاً إعجازياً، وما بال البعض الآخر، الذي حاول (وطاش سهمه) إرجاء الاستحقاق بذريعة الإقليم المضطرب من حولنا. لماذا يشارك الإسلاميون بعد سنوات من المقاطعة؟ سؤال تكرر في يوم الانتخاب وما سبقه من أيام، أما جوابي عليه، فتوزع على محورين تناول كل منهما طرفاً من طرفي معادلة “الدولة/الإخوان”.... فيما خص الدولة، ينتهج الأردن “طريقاً ثالثاً” في التعامل مع جماعة الإخوان، هو في منزلة وسط بين منزلتين ومقاربتين، الأولى، وتتلخص في الدمج والاحتواء، وتمثلها على نحو خاص كل من تونس والمغرب، والثانية، وتنحصر في الإلغاء والإقصاء و”الشيطنة” وتجسدها على نحو خاص المقاربتان، المصرية والإماراتية، أما الأردن فقد آثر طريق “الضغط” من دون إقصاء، والاحتواء ولكن تحت سقف خفيض للغاية... الدولة، وليس الإخوان وحدهم، لها مصلحة أيضاً في مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي، وإلا لم تكن تعدم وسيلة للحيلولة دون ذلك. أما الإخوان في المقابل، فلهم مصلحة قوية في المشاركة هذه المرة، وأحسب أنهم كانوا سيشاركون حتى لو بقي نظام “الصوت الواحد للناخب الواحد”، اما مصلحتهم فتكمن في ثلاثة: الأولى، رغبتهم في التأكيد على أن شعبيتهم لم تتآكل، على الرغم من محاولات الشيطنة والإجراءات الحكومية غير المسبوقة بحقهم والانشقاقات المتتالية في صفوفهم ... والثانية، رغبتهم في الاحتماء بشرعية برلمانية، تحصن وجودهم ونشاطهم في السنوات الأربع القادمة ... أما الثالثة، فتتصل بحاجتهم لقناة تواصل وحوار مع مؤسسات الدولية، والكتلة البرلمانية الإخوانية، ربما تكون القناة الأنسب لذلك في المرحلة المقبلة. لماذا القلق من تدني نسبة الإقبال على الاقتراع؟ أما الجواب على هذا السؤال، فيبحث في ذاكرة الأردنيين الجمعية عن صور مؤسفة للانتهاكات الصارخة لحرمة صناديق الاقتراع وشرفها في الانتخابات الفائتة، خصوصاً 2007، وما تولّد لدى الأردنيين من قناعات بعدم نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، فضلاً عن تآكل ثقة الأردنيين بـ “برلمانات الصوت الواحد للناخب الواحد”، والتي تميزت بالفردية والزبائنية في علاقتها مع الحكومة، وضعف أدوارها الرقابية والتشريعية. والمعلوم، أن واحداً من معايير نجاح العملية الانتخابية، إنما يتعلق بنسبة الإقبال على الاقتراع، وعدد الأصوات الممنوحة للبرلمان الجديد، وثمة ما يدعو للقلق ويستدعيه، فلم يظهر الناخب الأردني حتى يوم الاقتراع، أي حماسة واضحة للمشاركة في الاقتراع، الأمر الذي ولّد مثل هذا القلق وبرره، وما هي إلا ساعات قلائل تفصلنا عن إغلاق صناديق الاقتراع، لنعرف بعدها، الرقم الأدق حول نسبة المقترعين.
(المصدر: الدستور 2016-09-21 )