اليمن: عامان من التيه والفوضى.. والخراب
في الحادي والعشرين من أيلول 2014، قلب تحالف انصار الله (الحوثيون) وحزب المؤتمر (حزب علي عبدالله صالح) المشهد اليمني رأسا على عقب, موجهين في الوقت ذاته ضربة قوية للمعادلة الاقليمية التي بدت في ذلك الوقت تحت وطأة الصدمة, لان ما «حدث» ستكون له – آجلاً أم عاجلاً–ارتداداته العنيفة على المنطقة, وخصوصاً المعادلات التي حكمت العلاقات بين دول الجوار اليمني وتحديداً مجلس التعاون الخليجي فضلاً عمّا ستضيفه تلك التحولات من آثار على مجمل منظومة العلاقات والتحالفات الاقليمية والدولية، التي بدأت هي الاخرى بالإهتزاز, بعد ان اخذت موجة الفوضى التي سادت المنطقة العربية وحملت اسم «الربيع العربي»، ابعاداً مختلفة وهدَّدت كيانات ودول مركزية في المنطقة العربية وخصوصاً تلك الحرب الكونية المشتعلة في سوريا وعليها، ناهيك عما اصاب «الدور» العراقي (كذلك الجغرافيا فيه) من خلل واحتمالات مفتوحة، لأن يكون منصة او «ميادين» لمزيد من الاقتتال المذهبي والطائفي والعِرقي الذي تغذيه عواصم اقليمية ودولية، مُتطلِعة الى إبقاء النار مشتعلة في بلاد الرافدين ,خاصة بعد ان دخل «داعش» على خط الازمة وبات لاعباً رئيسياً على الساحة العراقية، في انتظار ما ستؤول الحال اليه في... سوريا.
ما علينا..
منذ ان بسط الحوثيون والجيش اليمني الذي مال في غالبيته الى جانب الرئيس السابق صالح،سيطرتهم على العاصمة صنعاء، في مثل هذه الايام قبل عامين (21/ 9/ 2014)، اُضيئت الانوار الحمراء في اكثر من عاصمة اقليمية (دع عنك العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن ذات السطوة والنفوذ والحضور العسكري الساحتين اليمنية والاقليمية) ما سرّع بردود فعل غاضبة واخرى مرتبكة وثالثة تحسَّست رأسها بعد ان اصابها الهلع، لإن تمكّن هذا «الحلف» الذي كان ذات يوم مستحيلاً وبخاصة ان صالح اثناء «رئاسته» خاض ست حروب طاحنة في عقر دار انصار الله (الحوثيون) في محافظة صعدة، ما كرّس بينهما العِداء ,حيث بحور من الدماء تحول دون تحالفهم، لكن المفاجأة الصاعقة حدثت لان مصالحهما وحاجة كل منهما للآخر سياسياً وعسكرياً، حتمت عليهما الالتقاء في منتصف الطريق وتقديم «تنازلات» متبادلة، بات من الصعب قيام حلف كهذا، دون تقديمها، وهو الامر الذي اسهم في استمرار وتصلّب تحالفهما على النحو الذي شهدنا وقائعه في المعارك العسكرية الناجحة والمؤثرة التي خاضاها على اكثر من جبهة, وما زالا يشكلان الطرف الاقوى في «الحروب» الدائرة الان، فضلا عن تعمق حلفهما السياسي الذي تمت ترجمته في قيام المجلس «السياسي الأعلى» قبل شهرين تقريباً (27تموز الماضي) الامر الذي اسهم في إرباك خصومهما وبخاصة الطرف الذي ينازعونه الشرعية والمتمثل في الرئيس هادي وحكومة أحمد بن دقر، تلك الحكومة (والرئاسة) التي اتخذت من عدن عاصمة مؤقتة لها، لكنهما (الرئيس ورئيس حكومته) لا يقيمان فيها او يمارسان اي دور تنفيذي لانعدام الامن في تلك المدينة المنكوبة بالتفجيرات, وسيطرة مقاتلي داعش والقاعدة على معظم احيائها وغياب ادارات مؤسسة واجهزة الدولة (الشرعية) عنها.
ناهيك عما باتت تشكله دعوات اقامة «كيان سياسي جنوبي) من هواجس لهادي ومجموعته, وبخاصة ان تلك الدعوة جاءت من محافظ المدينة الذي «عيّنه» هادي نفسه وهو «الجنرال» عيدروس الزبيدي، الذي تزعم هذه الدعوة حيث قال: إن قيام مثل هذا الكيان سيوحّد الجنوبيين ويُمثلهم في الداخل والخارج. فضلا عن التأييد الذي حصل عليه من الرئيس الاسبق (الجنوبي) علي سالم البيض، فيما عارضه بشدة حزب الاصلاح (اخوان مسلمون.. تنصّل منهم مؤخراً) كذلك الرئيس السابق للحزب الاشتراكي اليمني ياسين نعمان، دون إهمال الجهود الحثيثة التي بذلتها اجهزة المحافظات الجنوبية وبخاصة محافظة عدن, لترحيل ابناء الشمال اليمني عنوة من مدن وبلدات الجنوب باعتبارهم غير مرغوب بهم ,وغالباً ما كانت عمليات الترحيل تتم بالإكراه، ومصادرة الممتلكات، والإبعاد القسري المصحوب أحياناً بالتنكيل والإهانة.
أين من هنا؟.
ما يجري منذ 26 آذار 2015، الذي اتخذ اسم «عاصفة الحزم,، والمعارك المستمرة منذ ذلك الوقت كشف, ضمن امور أخرى، استحالة الحل العسكري حيث باتت اطراف «القضية» اليمنية مُنهَكة ومُستنزَفة إن لم نقل مُفلِسة بالمعنيين... المادي والسياسي، ما يستدعي المسرعة جدياً لِطرح مقاربة واقعية لحل الازمة, تلحظ في جوانبها كافة وليس مجرد جانب واحد، ان الحوثيين وانصار صالح هم «يمنيون» كما الطرف اليمني الآخر. وان اي حل لن ينجح اذا ما تم اقصاء او اجتثاث او استبعاد اي طرف عبر فرض «الاستسلام» عليه، وأن ما لم يتحقق بالعمل العسكري لن يجد سبيلا الى التحقق بالسياسة او الضغوط, حتى لو كان بنقل «البنك المركزي اليمني» من صنعاء الى عدن كما حدث مؤخراً.
اجتماع «جدة» الأخير، الذي حضره جون كيري بغياب الطرفين اليمنيين، قد يشكل بداية مقبولة من خلال صيغة الحكومة الائتلافية، لكن ينقصه الكثير لان «رائحة» التقليل من شأن حلف انصار الله/صالح, تفوح منه، ولا بد من تسوية تكفل استمراريتها وقابليتها للتنفيذ, وليس مبادرة او حلا يولد ميتاً، كما هي حال كل «الجهود» المتعثرة التي بذلها المبعوثان الدوليان, الحالي اسماعيل ولد الشيخ وقبله جمال بن عمر.
(الرأي 2016-09-22)