الانتخابات والخوف
كتبت هذه المقالة في يوم الانتخابات (أول من أمس) قبيل سفري إلى الصين، ومع ظهور النتائج اليوم أكون قد أمضيت يومين في السفر في الطائرات والترانزيت في المطارات وليس لديّ إحاطة محدثة بمجريات ونتائج الانتخابات، ولعل القارئ يعذرني إن بدت هذه المقالة غائبة عما جرى ويجري في الانتخابات.
يمثل الخوف (إضافة إلى البقاء وتحسين البقاء) دافعا أساسيا للسلوك الاقتصادي والسياسي الاجتماعي، وتشكل هذه القاعدة أساسا لعلم البيولوجيا السياسية وعلم النفس السياسي، ويفترض بناء على هذه القاعدة أن يؤشر الحراك السياسي الذي تلخصه الانتخابات العامة إلى مخاوف المواطنين وتطلعاتهم، فماذا يمكن القول عن مخاوف الأردنيين وهمومهم من خلال الانتخابات النيابية؟ إذا كانت الانتخابات السياسية تعكس الانتخاب الطبيعي فإلى أين يمضي الأردنيون؟
قد لا يسعفنا دارون وفرويد في معرفة وفهم السلوك السياسي والاجتماعي مستدلا عليهما بالانتخابات، أو في عبارة أكثر دقّة فإن السلوك الانتخابي لا يؤشر مباشرة وبوضوح على الاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الأردنيين، فالأردنيون لا يقولون ما يريدونه أو ما لا يريدونه على نحو مباشر، وربما وهذا هو الأرجح فإن الانتخابات العامة منفصلة في واقع الحال عن التنظيم السياسي للدولة والمجتمعات.
الأردنيون بالطبع يخافون، بل إنهم أكثر مناطق شرق المتوسط خوفاً وقلقاً، فما تاريخهم وحاضرهم وإنجازهم سوى ما تعلموه وتوصلوا إليه بفعل الخوف وتأثيره وهواجسه، ولديهم تطلعات وأهداف واضحة لحياتهم، وهم مقبلون على التعليم وتحسين الحياة بنشاط ولهفة، ولكنهم في خوفهم وفي رؤيتهم لحياتهم لا يربطون ذلك بالانتخابات، ولا يعرفون أو لا يعترفون بوضوح من هم وممن يخافون. وكأنهم هم المقصودون بأغنية فيروز "يا دنيي شتي ياسمين... ع اللي تلاقو ومش عارفين... ومن مين خايفين؟".
لكن يمكن أن نلاحظ لماذا قاطع الإخوان المسلمون (صاروا الاخوان المسلمين سابقا) الانتخابات النيابية السابقة ولماذا أقبلوا بحماس شديد على هذه الانتخابات، ليس سوى الخوف، الخوف ألا تمنحهم الانتخابات (السابقة) الفرصة التي جاءتهم في الربيع العربي، وكانوا يفضلون خسارة سياسية كاملة على ألا ينالوا حصتهم المأمولة/ المتوهمة كاملة، لكنهم كانوا يظنون أن الحراك السياسي والجماهيري سوف يعطيهم أفضل من الانتخابات، وقد شاركوا في هذه الانتخابات بدافع الخوف أيضا، الخوف من الانقراض، وتعكس التحالفات الواسعة والقوائم الهائلة التي تصل إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف المقاعد المخصصة للدائرة الخوف الفردي والجماعي، خوف قادة الإخوان (سابقا) ونشطائهم من ضياع الفرصة الأخيرة المتبقية بلا مكاسب، والخوف الجماعي من الاختفاء والنهاية.
وفي النظرة الشاملة إلى الانتخابات والعناوين والمحتويات التي قدمت في الحملات والبرامج الانتخابية وخطاب المرشحين كان ثمة غياب بارز للمخاوف والهواجس الوطنية مثل الإرهاب والتطرف، وضعف وتراجع الخدمات الأساسية في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، أو الخوف من الهدر والفساد في إدارة وتنظيم الموارد العامة والإنفاق العام.
أما تحسين البقـــاء والارتقــاء به وكما يعبر عنه اليوم بوضوح في قيم الحريات والعدالة، فهي أيضاً لا تبدو هموماً انتخابية ووطنية واضحة، ولا يمكن التنــبؤ بعلاقـــة هذه القيم ومصيرها مع نـــجاح أو فـــشل المرشحين والقــــوائم والكتل المتقدمـــة للانتخابات، لن نعرف تقدماً أو إصلاحاً أو تغييراً في ذلك سوى هـــوامـــش مـــحدودة تعتمد على مـــعرفـــة بعدد قليل من المرشحين، أو المصـــادفـــة، إذ أنه دائماً توجد فرص ومصادفات طيبة!
ولكن يظل السؤال الأساسي ملحا ومعلقا .. ممّ يخاف الأردنيون؟
( الغد 2016-09-22 )