ما قبل «عاصفة السوخوي».. وما بعدها!
يتواصل هذيان الذين ادمنوا الاتكاء على الآلة الاعلامية المولجة اختراع الاكاذيب وسرد روايات مُختلقة, على نحو بات كثيرون يتساءلون عمّا يجري حقيقة في حلب؟ وما الذي دفع ادارة اوباما الراحلة, وصف العملية «الدبلوماسية» الجارية بين روسيا واميركا بأنها «على جهاز الانعاش,لكنها لم تَمُتْ... بعد» على ما قال الناطق باسم الخارجية الاميركية مارك تونر.
وإذا كان «مصدر» كل الارقام والحكايات والتقاريرالمُلفّقة التي تستند اليها محطات فضائية ووكالات انباء وصحف عربية وغربية ,هو المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يقيم صاحبه رامي عبدالرحمن في مدينة كوفنتري ببريطانيا، فللمرء عندها ان يتساءل عماّ إذا كان «ارقام» مالك «الدكانة» هذه دقيقة؟ وخصوصا ان حلب تعيش جحيماً من النيران والقصف والاشتباكات, لا تسمح لاحد ان يرى الضحايا (في شرق حلب كما في غربها) فكيف لمقيم في بريطانيا, ان يمتلك مثل هذه الدقة والصحة في الارقام والشرح؟ فيما تعجز عنها استخبارات الدول الكبرى التي تتوفر على اجهزة واقمار صناعية وتواجد ميداني؟
ما علينا..
عاصفة السوخوي التي دخلت عامها الثاني، ما كان لها ان تكون, لو نجح الارهابيون ومَن يدعمهم من عرب واجانب وخصوصا في تركيا, والغرف السوداء التي اقيمت في اكثر من بلد شرق اوسطي، في اسقاط النظام السوري ودخول دمشق, عندها.. كان لمخطط «أمْرَكة» سورية أن ينجح عبر تحويلها الى منصة وقاعدة لضرب دول ومنظمات واحزاب عديدة في المنطقة, تمهيداً لإعادة رسم خريطة المنطقة وتحويل الأزمات المتدحرجة, التي عزموا على إشعالها, الى صراعات مذهبية وطائفية، وعرقية تنتهي بعد دمار البنى التحتية وكل اسباب الحياة والعمران, الى كانتونات بعناوين عديدة تكون اسرائيل «اليهودية « هي «حاكمة المنطقة» بوصفها الدولة الديمقراطية الوحيدة ذات الانياب النووية والجيش «الاكثر اخلاقية» في العالم, والمتوفرة على عقول «يهودية» ابداعية, محِبة للسلام و»مقتنِعة» بمساحتها الصغيرة, التي ينكرها عليها الارهابيون والمتطرفون العرب وخصوصاً الفلسطينيين, داعية الى استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في بلاد العرب «الواسعة» حيث بدأت تُسمَع «علنا هذه المرة» دعوات الى حق اليهود في فلسطين كونهم أبناء «عمومة» لنا, وأصحاب حق في دولة، دون ان يُحدّد هؤلاء مَنْ هو اليهودي صاحب الحق المزعوم؟ في ظل قانون «العودة اليهودي» الذي يمنح الجنسية الاسرائيلية لكل يهودي(ليس ابن عم لنا) يصل فلسطين المحتلة بشكل تلقائي.
لم نبتعد كثيراً.. فعاصفة السوخوي، اسقطت الكثير من المشروعات والخطط واجبرت اعضاء التحالف الاستعماري الغربي على اعادة النظر في خطابهم ومقارباتهم ومشروعاتهم التي كانت تستدعي «جثة» سايكس بيكو من ارشيف التاريخ, لتقرأ فيه عن «الاصطناعات» التي ارتُكبت لاقامة كيانات»عربية» فسيفسائية, لا جوامع بينها ولا روابط, وكانت سوريا في المقدمة بعد ان استُبيح العراق وتمزق المشرق العربي وكادت مصر ان تسقط في يد الاخوان المسلمين الذين خططوا ، لربط «المحروسة» بالمشروع الصهيواميركي العثماني, الى ان «خلعهم» الشعب المصري وارسل «مشروعهم» الى مزابل التاريخ.
صحيح ان عاصفة السوخوي لم تكن في بعض جوانبها الا جزءاً من صراع اميركي روسي يغرف من ثقافة الحرب الباردة, ورغبة واشنطن في البقاء منفردة على رأس النظام الدولي وإطباق حصارها على روسيا, التي لم تكن في نظر باراك اوباما سوى «دولة من دول العالم الثالث»، في تصريح عكس غطرسة واستعلاء وصلفأ اميركياً معروفاً تاريخياً، الاّ انه صحيح ايضاً ان تلك «العاصفة» الروسية, قد لجمت واشنطن وحلفاءها في المنطقة, وأجبرتهم على اعادة قراءة مشاريعهم والتوقف عند حقيقة ان «للقوة حدود» وأن ما كان زمن الحرب الباردة غير صالح للتداول الآن, وأن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفياتي, الذي انهكته الحرب الباردة واسهم قادته المُتكلِّسين وفاقدي المبادرة, في جعله بطيء الخطوات ومتأخراً في ردود فعله ازاء العربدة الاميركية, ودائماً في التركيز على الورطة القاتلة المتمثلة في غزو افغانستان ونجاح واشنطن و»العرب» في ايقاعه في فخ او اكذوبة «الجهاد»و المجاهدين عملاء المخابرات الاميركية والعربية.
لم يعد امام واشنطن ومَن حالفها من العرب والاتراك, سوى الاعتراف بأن ما كان قبل 30 ايلول 2015 ليس هو ما بعده, وان لا سبيل الى ايقاف المأساة السورية سوى العملية السياسية غير «المُفخَّخة», التي تواظب واشنطن ووكلاؤها في المنطقة «اللعب عليها»واستثمار عامل الوقت, لإحداث تغييرات ميدانية, لم تعد ممكنة حتى لو ارسلوا الصواريخ المضادة للطائرات, او ضاعفوا من الضغوط السياسية والدبلوماسية وليس ما نشرته نيويورك تايمز من»تسجيل» على لسان جون كيري, يؤكد ان ادارة اوباما كانت تُناوِر وتُراوِغ وتلعب على»كل» الحبال, ما استدعى كيري للاعتراف امام «معارضين» سوريين بأنهم «لن يجدوا احداً اكثر منه... إحباطاً».
عاصفة السوخوي فرضت معادلة جديدة من التحالفات وخطوط الاشتباك السياسي كما الدبلوماسي وخصوصاً العسكري ودائما وقائع ميدانية, يجدر بالمراهنين على اوباما واردوغان وبعض العرب, ان يكونوا اكثر «حذراً» اذا ما حاولوا تجريب طرائق اخرى.. لأن الكلمة الآن.. للميادين.
_(الرأي 2016-10-02)