إسـرائيل وحريق المنطقة بين معلق صهيوني وآخر إيراني
خطر لي الربط بين تعليقين؛ أحدهما لمحلل إسرائيلي بارز، والآخر لسياسي إيراني معارض، وذلك في معرض التذكير بمكاسب الكيان الصهيوني من حريق المنطقة، إلى جانب الرد الرد على من يزيّفون الحقيقة في الحديث عن المسؤول عنه.
التعليق الأول هو لآرييه شافيت، كبير معلقي صحيفة “هآرتس”، وفيه شرح المكاسب الكبرى لدولته من حريق المنطقة على النحو التالي: “غرق حزب الله في الوحل السوري، ومعه حالة الرفض اللبنانية الداخلية لتدخله، قلص من فرص انفجار الأوضاع على الجبهة الشمالية بشكل كبير”، التحولات الجارية “تصب حتى الآن في صالحنا، حيث أنه لأول مرة منذ 1948، لا يوجد تهديد وجودي على إسرائيل، بسبب تفكك سوريا، والاتفاق الذي قلص فرص تطوير إيران أسلحة نووية (نسي التخلص من الكيماوي السوري)، إلى جانب استفادة إسرائيل من حالة التقاء المصالح بينها وبين عدد من الدول العربية السنيّة”، التقاء المصالح مع دول عربية في محاربة جماعة الإخوان المسلمين، “ساعد على وجود جبهة قوية ضد حركة حماس أفضت إلى حصارها وعزلها”، الرغبة في مواجهة “الإسلام الجهادي السني ونووي إيران وخيبة الأمل من دور أمريكا، حوّل الكثير من الأعداء في العالم العربي إلى أصدقاء لنا”.
لاعتبارات سياسية مفهومة، لم يشر المحلل الصهيوني إلى ضرب الربيع العربي الذي هدد سياج الحماية العربي للكيان، وإن كان ذلك واضحا من السياق، كما لم يتحدث عن إضعاف تركيا أيضا التي مثّلت تحديا بدعمها للفلسطينيين، رغم حركة التطبيع الأخيرة.
في كل مرة يتم فيها طرح معادلة المكاسب الصهيونية من حريق المنطقة، تتم استعادة السؤال التقليدي عن المسؤول عن ذلك، وهنا يذهب الشبيحة نحو نظرية المؤامرة بشأن ربيع العرب؛ هو الذي كان “صحوة إسلامية”، بحسب سيدهم خامنئي قبل أن يصل سوريا، وهو الذي هلّل له قوميون ويساريون قبل أن يغدو مؤامرة حين وصل حبيبهم في دمشق أيضا.
نأتي هنا إلى تعليق السياسي الإيراني المعارض مهدي خزعلي، والذي سبق أن طرحنا سؤاله مرارا، وهو: ماذا لو ترك خامنئي بشار لمصيره كجزء من ربيع العرب بعد نجاحه في مصر وتونس وليبيا، ونسبيا في اليمن؟
يجيب السياسي الإيراني على الشق المتعلق بإيران ومصالحها، بينما لا يتحدث عن الآخر المهم ممثلا في أن نجاح الربيع بسوريا كان يعني امتداد مسيرته لتعيد تشكيل المنطقة على مقاس الشعوب. لو نجح في سوريا، لأجهض مشروع الثورة الثورة المضادة، لكن ضربه فيها لم يلبث أن فتح أبواب النجاح على مصاريعها لقوى الثورة المضادة.
السياسي الإيراني لم يعتبر أن سياسة الحرس الثوري هي التي أدت إلى صعود تنظيم داعش وحسب، بل تجاوز ذلك إلى طرح النظرية الأخرى، وهي ماذا لو سقط بشار؟ هنا يقول: “لو سقط عام 2011 لتخلصنا من نظام بعثي عفلقي مستبد، وبعدها لكان بوسعنا بناء علاقات جيدة ومتينة مع الحكومة السورية التي تأتي بصورة ديمقراطية لحكم البلاد”.
وأضاف: “بعد ذهاب الديكتاتور لم تكن مصالحنا مهددة في سوريا، فنحن منذ أكثر من ثلاثين عاما، ونحن ندعم النظام السوري بالنفط كهبات مجانية، وأي نظام مقبل في سوريا المستقبل، سنقدم له النفط كما نقدمه الآن للأسد سوف يكون صديقنا بكل تأكيد، ويدعو لنا أيضا”.
صحيح بكل تأكيد. كان نجاح ربيع العرب يعني علاقة جيدة لإيران مع غالبية الأمة، بدل كسب عدائها، ولساد التعايش ودولة المواطنة، ولكانت مواجهتنا مع الصهاينة أفضل بكثير. هل فلسطين أولوية إيرانية؟ كلا. مشروع التمدد وأخذ ثارات التاريخ وظهور المهدي أكثر أهمية بألف مرة.
(الدستور 2016-10-02)