لماذا لا يغضب العربي؟!
لم يعد الدم يتسبب بغضب الانسان العربي، وهذا واقع بحاجة الى خبراء لمعرفة السبب، فالانسان العربي الذي كان يخرج في مظاهرات بالملايين في كل مكان في المشرق العربي والمغرب العربي واوروبا واميركا، عند اي مواجهة فلسطينية اسرائيلية، هو ذاته الانسان الذي لم يعد يتحرك ابدا، برغم ان المذابح تكاثرت، في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن ومواقع اخرى؟!.
لماذا لم يعد يغضب العربي، هذا هو السؤال، هل هو الاعتياد على الدم، ام ان العربي اكتشف ان تكرار مشهد التعبير عن الغضب لن يغير من الواقع شيئا، ام ان العربي تم استدراجه الى اليأس بتوسعة دائرة الموت في كل مكان في العالم العربي، ونحن نرى على سبيل المثال ان مجازر حلب، لم تثر الحمية في احد، ممن يتفرجون على حلب، لا بمظاهرات ولامسيرات، ولا بأي شكل من اشكال التعبير عن الموقف؟!.
في مرات يقال ان وسائل التواصل الاجتماعي تمكنت من خدعة العرب، فنقلت الجمهور الغاضب من مواجهة السلطات مباشرة، بما فيها احيانا من مشاكل دموية، الى مواجهة الكترونية، فالكل يكتب موقفه من حلب مثلا، مرفقا منشوره بصورة، مكتفيا بهذا الموقف الفردي، وهو هنا، لا يعرف ان الفيسبوك مثلا، استدرجه نحو «الفردية» ونزعه من اطار العمل التنظيمي الجماعي، في بعض الحالات، دون ان ننكر ان لمواقع التواصل الاجتماعي دورا في تحريك الجمهور، الا انه في الاغلب بات بديلا عن الدور الاهم.
ما يمكن قوله بصراحة ان الجمهور العربي تحديدا ومنذ احداث الربيع العربي، تغيرت الكيمياء التي تخصه تماما،وتغير المزاج الذي يسيطر عليه، وعلينا ان نلاحظ ان اغلب الشعوب العربية اليوم، باهتة، وكأنها افاقت للتو من حلم ليلة صيف، فهي اما لا تظهر اي اهمية لقضاياها، باعتبار ان من يموتون هم الذين يخسرون فرادى، واما يظهرون اهتماما شكليا، يتم القفز عنه سريعا، لغايات استئناف الحياة، وعلى ما يبدو فإن الانسان العربي، بات يائسا من اي افق للتغيير، وهذا يفسر سلبيته المطلقة التي تصل حد التخلي عن كل قضاياه.
هل تصدقون اننا عشنا الى اليوم، الذي لا تحرك فيه كل صور وفيديوهات حلب، وكل هذه المجازر، اي رد فعل، في العالمين العربي والاسلامي، من جانب ذات الشعوب التي خرجت غضبا ذات زمن لفلسطين والعراق وغيرهما.هذه اشارات مؤلمة، لكنها بحاجة الى خبراء من اجل تحليل التغير السايكلوجي في ذهنية الناس عموما، واليات التأثر، وما لذي استجد عليها، فنحن اليوم امام قضايا بلا شعوب تؤيدها او تناصرها، بعد ان كنا امام قضايا وشعوب معا في ذات المضمار.
(الدستور2016-10-03)