الجامعة العربية لَمْ «تُدْعَ» .. لِمَ الاستغراب إذاً ؟
أطرف ما يحدث الآن في المنطقة العربية, رغم كل المآسي والنكبات المُتدحرِجة التي تضرب في الكيان العربي (إن كان ثمة ما يمكن وصفه بذلك) هو ذلك «التثاؤب» الذي بدأ يصدر عن جامعة الدول العربية بأشكال ومقاربات عديدة, تعكس ــ ضمن امور اخرى ــ «موات» هذه المنظمة الاقليمية التي لم تنجح «قبل» وصولها سن الشيخوخة (71 عاما على تأسيسها) في ايجاد موقع قدم لها في المشهدين العربي والاقليمي (دع عنك الدولي) ولم تنجح رغم الضخ الاعلامي ومؤتمرات القمة والاجتماعات «الطارئة» التي استضافتها, وبخاصة منذ ستينيات القرن الماضي حتى الان، في التأثير على اي قرار يمسّ المصالح القومية او يسعى لتعريض الامن القومي العربي الى مخاطر وجودية او استراتيجية.
لكنها – الجامعة – وقد فقدت الكثير من حضورها (الباهت) على اي حال، ودورها الذي لم يكن سوى ثانويا,ً امتلكت بعض البريق وشيئاً من الاهمية، بعد اندلاع عواصف الربيع العربي، وخصوصا عندما اراد رعاة الثورات المضادة واصحاب الخطط الموضوعة مُسبَقا, «شرْعَنة» تدخلهم في بلاد العرب, تحت عناوين وشعارات برّاقة تخاطب الغرائز المحمولة على شحن طائفي وآخر مذهبي وثالث عِرقي, يعلم هؤلاء ,احفاد المُستعمِرين القدامى,انهم بذلك يضعون ايديهم وكل ما ورثوه من خبرات وإرث استعماري, على مجتمعات عربية مُفخَّخة استطاعت معظم الانظمة العربية بـ»نجاح» لافت وغير مسبوق, ان «تُخصيها» وان تنزع منها روح التفاؤل والمبادرة,وتُفرِّغ نخبها السياسية والحزبية من اي قدرات على التواصل مع الجماهير او قيادتها وفق برنامج مُغايِر وليس بالضرورة على صِدام مع الاستبداد والفساد وتزاوج السلطة ورأس المال, وافقار الشعوب والعمل بدأب ومثابرة على تمزيق كل الصلات والروابط القومية ورفع الشعارات القطرية التي تَغْرِف من معين الانانية والانعزالية وبث الكراهية, تِجاه شعوب شقيقة ما يجمعها امتن واوسع واطول عمرا وجدوى, من تلك الخلافات العابرة او المُفتعَلة.
ما نحن في صدد الحديث عنه هو صدور بيان عن جامعة الدول العربية يُبدي «استغرابها» من «عدم» دعوتها لحضور مؤتمر وزاري دعت اليه فرنسا لمناقشة المسألة الليبية، وهو «استغراب» يدعو للدهشة، ليس فقط في انه يحاول تناسي ان الجامعة فقدت «دورها» المُفترَض, مباشرة بعد ان «شَرْعَنت» الغزو الفرنسي البريطاني الاميركي ولاحقاً الاطلسي, لذلك البلد العربي، تحت مزاعم ودعاوى ثبتت لاحقاً انها مفبركة وغير دقيقة، كما قال تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس العموم البريطاني ونشر مؤخراً (تماما كما تقرير شيلكوت حول غزو العراق المُفبرَك هو الآخر) إنما ايضا في ان امين عام الجامعة الحالي (احمد ابو الغيط) كان اعتبر ان الجامعة ارتكبت خطأ كبيراً عندما «شرعنت» غزو ليبيا.
بمعنى آخر... فإن ما كان مطلوباً منها, هو فقط منح غطاء ومظلة عربية لهذا الغزو الكارثي، وبعدها لم تعد الحاجة اليها... قائمة, ووقائع السنوات الخمس التي انقضت على ذلك الغزو الاجرامي أكدت ذلك، بل ثمة من إتكأ على هذا «التفويض» العربي الذي تم في عهد الكلمنجي الكبير (عمرو موسى) ليقول اننا ذهبنا الى ليبيا بناء على طلب «العرب» ولهذا فإنهم وحدهم يتحملون المسؤولية, ونحن لم نقم سوى بمنح الشعب الليبي الحرية وخلّصناه من الديكتاتور الذي جثم على صدره اربعة عقود(...)الحكاية ذاتها قيلت في اطار سيناريو غزو العراق, وكان العرب مشاركون بفعالية وحماسة مشبوهتين في «المسألتين», وجاءت الكارثة السورية لتضيء على حجم الانخراط العربي غير البريء في ايصال الدور العربي الى الحضيض الذي يعيشه, وفي إظهار مدى التبعية التي بات عليها معظم العرب, وحجم الهوّة التي تفصلهم عن بعضهم واستعداد نفر منهم للمضي قدماً في مشوار الانتحار المجاني، دون اي وازع اخلاقي او ديني او قانوني، فقط لتصفية الحسابات وإظهار الاحقاد والعزف على وتر الزعامة الموهومة والقيادة المُشتهاة، ولكن غير المستندة الى اي قوة عسكري ذاتية او سياسية او جماهيرية او حتى اخلاقية تسمح لها بان تتقدم الصفوف او تجلس على المنصّات.
ما يحدث في ليبيا الان من فوضى, وما يعصف بسوريا والعراق واليمن وما يرشح من تسريبات مقصودة بذاتها ولذاتها من المخططات التي قد تجد طريقها الى التطبيق الميداني، إذا ما سُمح لأحفاد المُستعمِرين القدامى بان يحققوا ما يسعون اليه، يؤشر الى انعدام قدرة معظم العرب على النجاة من تلك المخططات الاستعمارية التفتيتية والاستتباعية والتي - لسوء الحظ او حسنه - باتت معروضة على الجدار, بصلف واستعلاء وغطرسة يتحدث عنها ويمارسها كل طامع بوراثة «الرجل العربي المريض» بدءاً بحفيد آل عثمان.. اردوغان, وليس انتهاء بفرنسا هولاند وبريطانيا السيدة الحديدية «الجديدة» والمستشارة الالمانية وخصوصاً الرئيس/ الرئيسة، المقبل/ المقبلة للولايات المتحدة, اللذين تعهدا الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وايضاً في مزيد من التدخل في الشؤون العربية وبما يخدم مصالحهم الاستراتيجية العليا، أما العرب فلا أحد يحفل بهم وبمصالحهم، فلماذا تستغرب الجامعة العربية... عدم دعوتها؟ ما دامت الحاجة اليها غير قائمة؟ ما بالك ان لا شيء لديها تعطيه لهؤلاء «العَجَزَة»، بعد ان اخذوا كل ما يريدون؟
(الرأي2016-10-04)