كتابة على آخر الجدران !
ان تريد وتفتعل العفة وان تشتهي وتستحي تلك هي حالة العربي الان وهو يراوح بين وعي مفارق للسائد وبين استلاب يجذبه بقوة الى الماضي، فهو ليس هنا كما انه ليس هناك، واحيانا يبدو اشبه ببندول ساعة الحائط حيث لا يقر له قرار .
المسألة ببساطة هي البحث عن مُنتصف العصا للامساك بها منه بحيث يقول كل شيء تهربا من قول شيء واحد هو ما ينبغي له ان يقوله، فالخشية من التأويل الذي بلغ حدّ التقويل تشلّ الوعي، وتدفع المرء اذا لم يكن على دراية بالحقيقة الى ان يكون كحصان امرىء القيس مكرّا ومفرّا في اللحظة ذاتها ليس لفرط رشاقته بل لخوفه المزمن من ان يكون الموت مجانيا .
وما يصدر من كتب تملأ الرفوف في هذه الايام عن الوباء الفكري والبلاء الذي يغمر البلاد والعباد معظمه مبتدأ بلا خبر، واشباه جُمل، لأن الكتابة بقلم تتدلى منه الممحاة كالكلام بنصف لسان، ونحن لا نطالب احدا بأن يجازف في تعليق الجرس بل نطالبه بأن لا يزعم ذلك اذا استأصل لسان جرسه قبل ان يقرعه ليقول قدمت ما علي ان اقدمه وكأن المسألة واجب عزاء او طقس اجتماعي عابر !!
ان ثقافة تستبد بها الازدواجية على هذا النحو الذي نعيشه لا بدّ ان تأكل نفسها ولا تجد مجالا حيويا تتمدد وتنمو فيه، فالحقائق يتم تداولها همسا وفي الظلام اما الكلام العام المعلّب والذي يتم تزوير مدة صلاحيته فهو جهوري وينافس النّهيق ولا ادري كم هو المطلوب من عرب هذا الخريف ان يخسروه دما ودمعا وزيتا وماء وجه كي يَبُقّ كل واحد منهم الحصوة التي تخنقه كما يقول مثل لبناني فالسيل لم يتجاوز الزّبى فقط بل صعد الى الكرمل وجبل الشيخ وقد يصل الى افرست .
ان مريضا يكسر زجاجة الدواء ويلقيها في القمامة لأن الدواء مُرّ عليه ان يشتري كفنه ويكتب وصيته ان كان له وصية او ورثة !!
(الدستور2016-10-04)