من يتحمل مسؤولية الاشاعات؟!
خلال السنين الاخيرة، ومع سيطرة الاعلام الالكتروني، ثم وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت ظواهر كثيرة بالظهور، لكنها باتت اكثرة قوة هذه الايام.
ابرز هذه الظواهر، تحول بعض الجهات او الصفحات، الى مصمم للاشاعات، ومروج لها، وبحيث تصبح الاشاعة هي الحقيقة التي بحاجة الى نفي، وبحيث باتت الاغلبية تظن للاسف انه بمجرد وجود نص مطبوع بشكل انيق، ودون اخطاء لغوية، يمنح هذا النص حصانة، ومصداقية، ولو دققنا، فأننا سوف نلاحظ، ان اغلب الناس، تقول « قرأت وسمعت» و»انا متأكد» فسحر الاعلام الالكتروني بكل اشكاله، غيب القدرة على التدقيق.
هذا يعبر اولا عن تراجع الاخلاقيات عموما، لصالح التصفيات السياسية، ولصالح الصغائر ، كما ان المشهد يعبر عن ضعف في رصد الجهات المختصة، ولو سألت اي جهة رسمية او خاصة، عن الجهة الاولى، التي صاغت الاشاعة، وتم تشييرها بحيث انتشرت في كل مكان، لما وجدت جوابا، فهذا البحر الهائج، كشف ضعف المختصين من جهة، وعدم وجود وسائل للمتابعة، وكثيرا مانصحو جميعا، وقد باتت اشاعة ما، حقيقة على لسان كل اهل الاردن، والنفي بنظر الناس، كذب، للاسف الشديد.
يأتي هذا في ظل وجود برمجيات معروفة متطورة تباع لغايات محددة، ترصد مثلا، كل ماقيل بخصوص شأن ما، وتأتيك بالتواريخ والتسلسل، وبحيث يكون ممكنا الوصول الى الفاعل الاول، الذي صاغ الاشاعة وقام بأطلاقها، بدلا من ان تبقى مجهولة الاب، وبحيث يتبرأ الجميع من مصدرها، وتصير مهمة كل واحد التنصل من مسؤوليتها.
في حالات الاشاعات، تكون سببا لنشوب حرب اهلية، وفي حالات، تهز بنية المؤسسات، وفي حالات تتسب بالتطرف والكراهية والاحقاد في مجتمع واحد، ولايمكن تسهيل الامر تماما، واعتبارها امرا عاديا، يحدث في كل مكان، وبحيث نتورط فقط في مهمة اطفاء الاشاعة فقط، ونزع الخبر او التحليل او المعلومة، وازالته من موقع النشر، باعتبار ان هذه هي البطولة بأثر رجعي، فهذا حل، يأتي متأخرا جدا، بعد ان يكون سم الاشاعة سرى في العصب العام، وتتحول الاشاعة من نص مكتوب الى اشاعة شفهية يقسم متداولوها على صحتها.
القوانين على الرغم من تخمتها بالعقوبات، الا انها لم تمنع الاشاعات، فالاشاعة حين تصبح متدوالة على مئتي موقع الكتروني في العالم، ومئات الاف صفحات الفيس بوك والتويتر، تقول لك انها باتت اقوى من العقوبة بكثير، اذ لايمكن ان يتم زج كل هذا الجمهور في السجن اصلا، ولو دققنا في آخر عشر اشاعات اردنية، لوجدناها منشورة في مواقع عربية في كل مكان، فالقصة ليست حكرا على هنا.
فلترة الاشاعات عن طريقة الاتصال الفني المسبق، من جانب المسؤولين، او بعد النشر، لايجري كما يجب وهناك نقاط خلل كبيرة، اقلها، ان الكوادر المخصصة لهكذا مهمات حكوميا، نادرة وقليلة، ولايمكن ان يتم استبدال هذا الجهد، باللجوء الى مدرسة تتحدث عن اهم عشر جهات مؤثرة، يتم تسكينها مسبقا، وترك الباقي، ليتورط احيانا بحسن نية او سوء نية في اخطاء، قد تمس سلامة الداخل، او بنية البلد والناس والمؤسسات.
هناك خلل ربما في مجال الحصول على المعلومات، يلمسه احيانا الذين يريدون التأكد من مغزى اشاعة، هذا يحدث احيانا، وليس دائما، لكن الخلل الاساس، يتعلق بوجود هشاشة كبيرة في بنية الصف الثاني والثالث، المختص بملفات الاعلام، وهذا يفرض اعادة النظر بكل الوسائل، وطرق المعالجة، وعدم مواصلة سياسة « لننتظر الرصاصة، ولنداوي جرحها لاحقا».
في ظل تحديات الاعلام، لايمكن ان تتواصل ذات الطرق، وهذا ليس موجها لجهة محددة، فهناك تغيرات جذرية تكاد ان تقلب كل شيء، وهي تواصل تعمقها في العالم، وفي المشهد الاردني ايضا، لكن الاغلب ان الادارة تهرب من مسؤوليتها للكلام عن عجزها فنيا عن مواصلة هذا السيل العارم، لاسباب كثيرة، فيما الاثر الناجم، لم يترك شيئا، الا ولطمه على وجهه.
(الدستور2016-10-05)