في حلب .. ترى العجب !

تم نشره الخميس 06 تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:22 صباحاً
في حلب .. ترى العجب !
محمد كعوش

قرأت في كتب التاريخ أن مدينة حلب من أقدم وأكبر المدن في العالم القديم ، وانها صاحبة حضارة عريقة ، وهي أحد معالم التاريخ الحضاري في سوريا والمنطقة ، اشتهرت كعاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت حتى الموصل في ثنائية عربية مصيرية تاريخية .

حلب اليوم هي اكبر المدن السورية وأجملها ، وبلغ عدد سكانها قبل الحرب اكثر من خمسة ملايين نسمة ، وكانت ولا تزال عنوان التعايش الحقيقي في سوريا ، حيث تشكلت مكونات المجتمع الحلبي من مزيج وتلاوين طائفية وعرقية متعددة . وهنا لا بد من الاشارة الى أن مدينة حلب لا تزال العاصمة التجارية والصناعية في الدولة السورية ، حتى في زمن الحرب المحلية الكونية ، التي دمرت معظم المصانع والشركات الكبرى ، لأن حلب ، بصمودها الاسطوري ، اثبتت أنها تعشق الحياة وتمارسها بشغف وفرح ، كما هي عصية ، بحدودها وقدودها ، على الصمت والاغتيال ، وما يؤكد هذا الإعتقاد هو مشاركة مصانع وشركات حلب اليوم في معرض خان الحرير بدمشق .

حلب اليوم ، تطل علينا من وراء تعقيدات الازمة ، منهكة محطمة مسلوبة الارادة ، تكاد ان لا تعرف نفسها ، ولكنها تعرف أنهم يريدون المزيد من الظلام ، والمزيد من سفك الدم العربي ، خارج المشهد الانساني ، عبر أكبر عملية ابتزاز غربي بشع ، ما دامت المذابح كلها مبررة ، ولأن الأقوياء يلعبون بعناد جنوني خارج التاريخ ، وخارج القانون والشرعية الدولية ، وقد تكون حلب هي محور اللعبة الدموية .

الفيلسوف الالماني شوبنهاور قال ان « العناد ينتج عن محاولة الارادة اقحام نفسها محل العقل « . واللافت اليوم أن معسكري المرشحين للرئاسة الاميركية ( ترامب وكلينتون ) انتقلا من التنافس المحموم على دعم اسرائيل ومصالحها ، الى مرحلة التهديد بالتصعيد العسكري في سوريا ومواجهة روسيا ، ومنح الرئيس الروسي بوتن لقب « يكتاتنور « ، والسبب هو ما يحدث في حلب وحولها .. لماذا ؟!

المؤسسات السياسية والعسكرية الاميركية فقدت اعصابها ، وقامت قيامتها ، في حراك ينم عن عناد أهوج ، فواشنطن لا تريد حسما عسكريا في سوريا ، ولا تسمح بحل سياسي للازمة ، وتريد ابقاء الوضع الراهن في حالة من الصراع الداخلي والنزاع الدولي ، كما أن احساسها بقوة قدراتها العسكرية، وصلابة ارادتها السياسية ، يدفعها الى حالة من العناد الناتج عن الصراع بين قوة الارادة وحكمة العقل .

هذه التطورات المتسارعة في الموقف الأميركي هي نتاج المعركة الانتخابية والتنافس بين الحزبين على منصب الرئيس ، بحيث اصبحت الازمة في سوريا ورقة مهمة في المعركة الانتخابية الأميركية، خصوصا بعد التطورات في حلب وشمالها . لأن الولايات المتحدة ترفض الحسم العسكري في حلب لأنه نهاية الصراع وبداية الحل ، وحلب هي مفتاح تقسيم سوريا على قاعدة عرقية وطائفية، حسب المصالح الأميركية – الاسرائيلية ، وعملا بوصية بن غوريون الذي قال إن ديمومة اسرائيل بخلق محيط من الدويلات الطائفية والعرقية .

وما يقلقنا اليوم ، تلك الحملة الاعلامية الأميركية المكثفة الشاملة التي جعلت من مسألة التطورات في حلب بشكل خاص ، والتطورات في سوريا بشكل ، محور اهتمامها ، بشكل يشبه الى حد بعيد الحملة الاعلامية الاميركية التي سبقت غزو العراق واحتلاله ، مع وجود الفارق في المعادلة الإقليمية والدولية ، التي قد تدفع بواشنطن الى الكثير من التفكير قبل القيام بأية حماقة أو عمل عسكري متهور .

وامام هذه التطورات المتسارعة نتساءل حول الاسباب الحقيقية التي تدعو واشنطن الى طلب وقف القتال ، وتدعو الى هدنة ، عندما يتم حشر التنظيمات الارهابية المتطرفة في الزاوية ، أو كلما حلت بها هزيمة عسكرية ، خصوصا في حلب !!

الثابت أن الادارة الأميركية غير جادة في حربها ضد الارهاب ، على عكس خطابها السياسي الداخلي والخارجي ، وهناك من يعتقد جازما أنها تدعم هذه التنظيمات ، بهدف اسقاط النظام وتفكيك الدولة السورية ، وفرض الفدرالية ، على قاعدة عرقية وطائفية ، وبالتالي انهاء دور سوريا الأقليمي ، وتحويلها من دولة مكتفية، الى دولة ضعيفة مديونة .

(الرأي2016-10-06)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات