في حلب .. ترى العجب !
قرأت في كتب التاريخ أن مدينة حلب من أقدم وأكبر المدن في العالم القديم ، وانها صاحبة حضارة عريقة ، وهي أحد معالم التاريخ الحضاري في سوريا والمنطقة ، اشتهرت كعاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت حتى الموصل في ثنائية عربية مصيرية تاريخية .
حلب اليوم هي اكبر المدن السورية وأجملها ، وبلغ عدد سكانها قبل الحرب اكثر من خمسة ملايين نسمة ، وكانت ولا تزال عنوان التعايش الحقيقي في سوريا ، حيث تشكلت مكونات المجتمع الحلبي من مزيج وتلاوين طائفية وعرقية متعددة . وهنا لا بد من الاشارة الى أن مدينة حلب لا تزال العاصمة التجارية والصناعية في الدولة السورية ، حتى في زمن الحرب المحلية الكونية ، التي دمرت معظم المصانع والشركات الكبرى ، لأن حلب ، بصمودها الاسطوري ، اثبتت أنها تعشق الحياة وتمارسها بشغف وفرح ، كما هي عصية ، بحدودها وقدودها ، على الصمت والاغتيال ، وما يؤكد هذا الإعتقاد هو مشاركة مصانع وشركات حلب اليوم في معرض خان الحرير بدمشق .
حلب اليوم ، تطل علينا من وراء تعقيدات الازمة ، منهكة محطمة مسلوبة الارادة ، تكاد ان لا تعرف نفسها ، ولكنها تعرف أنهم يريدون المزيد من الظلام ، والمزيد من سفك الدم العربي ، خارج المشهد الانساني ، عبر أكبر عملية ابتزاز غربي بشع ، ما دامت المذابح كلها مبررة ، ولأن الأقوياء يلعبون بعناد جنوني خارج التاريخ ، وخارج القانون والشرعية الدولية ، وقد تكون حلب هي محور اللعبة الدموية .
الفيلسوف الالماني شوبنهاور قال ان « العناد ينتج عن محاولة الارادة اقحام نفسها محل العقل « . واللافت اليوم أن معسكري المرشحين للرئاسة الاميركية ( ترامب وكلينتون ) انتقلا من التنافس المحموم على دعم اسرائيل ومصالحها ، الى مرحلة التهديد بالتصعيد العسكري في سوريا ومواجهة روسيا ، ومنح الرئيس الروسي بوتن لقب « يكتاتنور « ، والسبب هو ما يحدث في حلب وحولها .. لماذا ؟!
المؤسسات السياسية والعسكرية الاميركية فقدت اعصابها ، وقامت قيامتها ، في حراك ينم عن عناد أهوج ، فواشنطن لا تريد حسما عسكريا في سوريا ، ولا تسمح بحل سياسي للازمة ، وتريد ابقاء الوضع الراهن في حالة من الصراع الداخلي والنزاع الدولي ، كما أن احساسها بقوة قدراتها العسكرية، وصلابة ارادتها السياسية ، يدفعها الى حالة من العناد الناتج عن الصراع بين قوة الارادة وحكمة العقل .
هذه التطورات المتسارعة في الموقف الأميركي هي نتاج المعركة الانتخابية والتنافس بين الحزبين على منصب الرئيس ، بحيث اصبحت الازمة في سوريا ورقة مهمة في المعركة الانتخابية الأميركية، خصوصا بعد التطورات في حلب وشمالها . لأن الولايات المتحدة ترفض الحسم العسكري في حلب لأنه نهاية الصراع وبداية الحل ، وحلب هي مفتاح تقسيم سوريا على قاعدة عرقية وطائفية، حسب المصالح الأميركية – الاسرائيلية ، وعملا بوصية بن غوريون الذي قال إن ديمومة اسرائيل بخلق محيط من الدويلات الطائفية والعرقية .
وما يقلقنا اليوم ، تلك الحملة الاعلامية الأميركية المكثفة الشاملة التي جعلت من مسألة التطورات في حلب بشكل خاص ، والتطورات في سوريا بشكل ، محور اهتمامها ، بشكل يشبه الى حد بعيد الحملة الاعلامية الاميركية التي سبقت غزو العراق واحتلاله ، مع وجود الفارق في المعادلة الإقليمية والدولية ، التي قد تدفع بواشنطن الى الكثير من التفكير قبل القيام بأية حماقة أو عمل عسكري متهور .
وامام هذه التطورات المتسارعة نتساءل حول الاسباب الحقيقية التي تدعو واشنطن الى طلب وقف القتال ، وتدعو الى هدنة ، عندما يتم حشر التنظيمات الارهابية المتطرفة في الزاوية ، أو كلما حلت بها هزيمة عسكرية ، خصوصا في حلب !!
الثابت أن الادارة الأميركية غير جادة في حربها ضد الارهاب ، على عكس خطابها السياسي الداخلي والخارجي ، وهناك من يعتقد جازما أنها تدعم هذه التنظيمات ، بهدف اسقاط النظام وتفكيك الدولة السورية ، وفرض الفدرالية ، على قاعدة عرقية وطائفية ، وبالتالي انهاء دور سوريا الأقليمي ، وتحويلها من دولة مكتفية، الى دولة ضعيفة مديونة .
(الرأي2016-10-06)