تحديات البرلمان الثامن عشر
يواجه المجلس النيابي الثامن عشر جملة من التحديات المتراكمة، والتي لا بد أن يعطيها الاهتمام الكافي حتى يستطيع التعامل معها بشكل منهجي. وتكتسب هذه التحديات أهمية إضافية كون هذا البرلمان قد تم انتخابه على أساس قانون جديد، وبحضور أعضاء من حزب جبهة العمل الإسلامي الذي غاب عن المجلس لمدة تزيد على سبع سنوات. كذلك، فإن الخلفية لانعقاد المجلس تأتي في ظل أجواء إقليمية صعبة، وملفات ساخنة تفجرت بعد الانتخابات النيابية.
التحدي الأول الذي يواجه المجلس، هو إعادة التوازن للعلاقة بينه وبين الحكومة. في المجلس السابق وما سبقه من مجالس، تعرضت العلاقة بين الطرفين لخلل كان ضاراً بالمجلس والحكومة. إذ استطاعت الحكومة، في مرات عديدة، أن تطوع المجلس لسياساتها في علاقة شائكة معقدة، وكانت المصالح المتبادلة لكثير من النواب والحكومة هي العنوان الأبرز فيها، والتي أدت إلى اهتزاز ثقة الرأي العام بقدرة المجلس على القيام بواجباته التشريعية والرقابية بشكل مرضٍ. وإعادة التوازن ليس مرهوناً فقط بموقف المجلس، إذ إن الحكومة كان لها أيضا دور كبير في إحداث الخلل، لكن بعيون الناس المجلس هو الذي تحت الأنظار.
التحدي الثاني الذي يواجه المجلس، يتمثل في تراجع ثقة المواطنين به إلى أدنى مستويات، نتيجة للعديد من الممارسات الفردية غير اللائقة، وانشغال عدد كبير من أعضائه بمصالحه الخاصة، وعدم قدرة المجلس أن يقدم الكثير للمواطنين. باختصار، فإن صورة المجلس باتت مهزوزة أمام الرأي العام، ولا بد له من استعادة الثقة الشعبية، ليس فقط لأن هذا شيء إيجابي، ولكن أيضاً لاستعادة صورة المجلس كمؤسسة دستورية مهمة في البلاد. بالطبع، فإن استعادة الثقة ليست عملية علاقات عامة، وإنما تتم بالسلوك والأداء البرلمانيين الجديدين والناضجين والبعيدين عن الاستعراض والشخصية.
أما التحدي الثالث، فهو القدرة على العمل الجماعي داخل المجلس، والذي من المتوقع أن يكون من خلال بناء تكتلات نيابية تطغى عليها المصلحة العامة. إن تجربة الكتل البرلمانية في المجلس السابق كان فيها إيجابيات، ولكن أيضاً اعترتها بعض السلبيات، من أهمها عدم وجود هذه الكتل على أرضية سياسية وفكرية مشتركة تتمتع بالديمومة النسبية والانسجام بين أعضائها.
أما التحدي الأخير، فهو تحد مشترك مع الحكومة أو السلطة التنفيذية، ويتلخص في قدرة الطرفين على التوصل لسياسات اقتصادية قادرة ليس فقط على الاستجابة لمشاكل واحتياجات المواطنين، وعلى رأسها الفقر والبطالة والفوارق التنموية بين المحافظات، وإنما أيضا وقف التدهور في مستوى المعيشة والخدمات التي تقدم للمواطنين. والنجاح في ذلك سيكون مرهوناً، أولاً، بالقدرة على العمل المشترك بين الحكومة والمجلس من جانب، والقدرة من جانب آخر على بلورة سياسات وحلول غير تقليدية أو خارج الصندوق، وهو الأمر الذي أبدت الحكومات المتعاقبة عجزاً فيه. كما يجب على المجلس التعامل مع التطورات الأخيرة التي شهدها الأردن، والتي تعكس انقساماً مجتمعياً حيالها، وبخاصة تحدي تنامي التطرف وتصاعد خطاب الكراهية غير المسبوق، والذي بات يهدد السلم المجتمعي والإنجازات الوطنية المتراكمة في هذا المجال.
نتيجة لعوامل وظروف داخلية وخارجية متراكمة، يواجه الأردن مجموعة من التحديات التي لم يعد من الممكن التعامل معها بالأساليب السابقة. صورة المجلس النيابي وقدرته على التعامل مع هذه التحديات تراجعت، ومعها تراجعت ثقة الناس بالمجلس. وهناك فرصة لتصويب المسار في المجلس المقبل، لكن ذلك يتطلب نمطاً جديداً ومختلفاً من التفكير والعمل البرلماني، لاستعادة زمام الأمور ووقف التراجع في العمل السياسي الوطني. وسيكون المجلس الجديد أمام اختبار حقيقي في قدرته على التعامل مع هذه التحديات.
(الغد 2016-10-06)