دعاء دخول الحمام!
تابع كثيرون باهتمام شديد، أمس، وقائع المؤتمر الصحفي لكل من وزير الإعلام د. محمد المومني، ووزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، بشأن القضية التي شغلت الشارع الأردني، خلال الأشهر الأخيرة، وتجاوزتنا إلى الإعلام العربي والدولي، وأصبحت "معركة" حامية الوطيس داخلياً، أدت إلى اعتصامات وسجالات، ووصلت الأمور إلى "حفلات شواء" للكتب المدرسية!
منذ بدء النقاش المتعلق بالكتب المدرسية، وأنا أتابع بحرص واهتمام شديد "حروب مواقع التواصل الاجتماعي" بين المؤيدين للتطوير والكتب الجديدة والمعارضين لها؛ وأرصد المقتطفات والملحوظات التي يتم تقديمها عبر هذه المواقع من خلال معلمين وآباء وآخرين، بوصفها تغييرات تهدف إلى الهجوم على الهوية الإسلامية للمجتمع والدولة، واستجابة لمطالب غربية وأميركية أو حتى نخبة من العلمانيين الليبراليين الذين يسعون إلى إقصاء الثقافة الإسلامية من التربية والتعليم!
ولم أُفاجأ بحجم التأثر الذي ظهر على الوزير الذنيبات، ولجوئه للدفاع عن نفسه باستحضار ما يحفظه من القرآن الكريم -وهو بالمناسبة يحفظ أجزاءً كبيرة منه- للرد على حملة التشويه الكبيرة التي جرت بحقه، وعملية الاغتيال المنهجية التي طاولته، بعد أن كان يعدّ بنظر الشارع الأردني بطلاً لمواجهته الانفلات في امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، ولكشفه حجم الانهيار في مستوى التعليم بالأردن، ومصارحته الرأي العام بذلك.
وفي النهاية، وقع الرجل بين المطرقة والسندان؛ من يتهمونه بالمحافظة والجمود ورفض التطوير، من نخبة أكاديمية لها حضور إعلامي واطلاع واسع على المناهج، أو من يتهمونه بالتخاذل والموافقة على إحداث تغييرات تمسّ الهوية الإسلامية. ووصلت الأمور إلى أنّه أصبح هدفاً لحملة إعلامية مزدوجة عنيفة في الأشهر الماضية.
لستُ هنا بصدد تقييم الوزير الذنيبات، ولا تعريف موقعه في السجال الطاحن الذي ما يزال يدور حالياً بين النخبة العلمانية والتيار المحافظ العام. لكن ما يجدر أن نتنبه إليه جيداً هو حجم التضليل العنيف والشرس في الحملة الأخيرة فيما يتعلّق بالكتب المدرسية، والقراءة الانتقائية من قبل البعض لما تمّ القيام به من "تعديلات" في الكتب المدرسية، ولنكتشف أنّ جزءاً كبيراً من "الهيجان الجماهيري" بُني على أكاذيب وادعاءات غير صحيحة، كما أثبت وزير التربية في مؤتمره الصحفي.
المفارقة الشديدة هو أنّ موقع وزارة التربية والتعليم ونقاط اتصالها المعتمدة، والوزير نفسه، تلقوا قرابة 3000 ردّ فعل على الكتب الجديدة، كلها تحمل رفضاً لتغيير المناهج، كجزء من الحملة الإعلامية المضادة للتغيير، فقام الوزير نفسه بالاتصال مع 300 من الأرقام المذكورة، كعيّنة عشوائية لاختبار "التغذية الراجعة"، ليجد أنّ 3 فقط منهم قرأوا الكتب المدرسية، أمّا الباقي فاعتمد على "ثقافة التحريض" والسماع والتهويش، فقامت الدنيا ولم تقعد وتمّت دغدغة "سيكولوجيا الجماهير"، على حد تعبير جوستاف لوبون، على وقع أمور غير صحيحة، أو غير دقيقة في أحسن الأحوال.
ربما الظروف السياسية هي التي استفزت الجميع، وخلقت الحملة السابقة على الكتب، مع خصوم الوزير على أكثر من صعيد، وتدشين "فزّاعة" الهوية الإسلامية. لكن ذلك ليس مبرراً لحجم التخبط الكبير الذي حدث!
من غير المعقول ولا المنطقي أن يصبح محور الهوية الإسلامية دعاء دخول الحمام، ليقال بأنّه حُذف، ثم يقف الوزير يقسم أغلظ الأيمان أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية بأنّه ما يزال موجوداً في موقع آخر من الكتب المدرسية. لا يمكن أن نفكّر بالتطوير والتصحيح والإصلاح، ونحن ما نزال نقف عند هذا المستوى من النقاش!
لستُ أدافع عن الكتب المدرسية الجديدة، ولا أملك قراءة منهجية ولا علمية، ولا أنا مختص بهذا الجانب. لكن كمستمع ومتابع، فإنّ موقف الوزير كان مقنعاً أكثر بكثير من الحملة التي رأيناها. وإذا كان لدى نقابة المعلمين والخبراء الآخرين رأي آخر، فليقدموه بصورة منهجية علمية وموضوعية، قبل السعي إلى تحريك الشارع والطلبة وأولياء الأمور ضد الكتب!
(الغد 2016-10-06)