التنمية ثقافة
هل ثمة لحظة وعي جديدة أو تتشكل؟ نعم. ربما نعم!
تشكل الثقافة، بما هي وعي الذات، المؤشر الرئيس للاتجاهات والسياسات في الدول والمجتمعات، كما أنها أهم مصدر يُستدل به على التقدم والفشل، والحالة القائمة والمستقبل. ففي ملاحظة وإدراك لحظة الوعي القائمة لدى الأفراد والجماعات والطبقات، يمكن المعرفة والتقدير أين نحن وإلى أين نمضي؛ ذلك أنه ما من موقف أو سياسة أو جدل أو مشروع أو برنامج إلا ويعكس الوعي المحرك والمنشئ. هل ثمة لحظة وعي جديدة أو تتشكل؟
على سبيل المثال، اتخذت برامج التنمية والإصلاح لدى المنظمات الدولية ومراكز التفكير والدراسات ومؤسسات التخطيط الوطنية والدولية، أهدافا وعناوين واتجاهات وجهات تعكس الوعي بالأولويات والتهديدات والمخاطر، وبمفهوم التقدم نفسه. وفي ذلك يمكن ملاحظة كيف صعدت قضايا حقوق الإنسان والبيئة والعمارة والتلوث والتغير المناخي، أو الفقر والعمل وتحسين الحياة، أو العدالة والمساواة، أو العولمة وحريات السوق، أو المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص ودور الشركات والمجتمعات في الحاكمية الرشيدة... وعلى نحو عام، فقد كان اتجاه الإصلاح والتنمية ومكافحة الفقر في الخمسينيات والستينيات نحو الاستثمارات التجارية ومرافق البنية الأساسية، وفي السبعينيات إلى التعليم والرعاية الصحية، وفي الثمانينيات إلى تحسين إدارة الاقتصاد والسماح لقوى اجتماعية واقتصادية أن تلعب دورا أكبر. واقترح تقرير العام 1990 للتنمية البشرية تشجيع الاستخدام المكثف للأيدي العاملة، والانفتاح الاقتصادي، والاستثمار في مرافق البنية الأساسية، وتقديم الخدمات الأساسية للفقراء في مجالي الرعاية الصحية والتعليم. وبدأ خلال التسعينيات مفهوم حسن نظام الإدارة للمؤسسات. وفي أوائل القرن الجديد، اقترح البنك الدولي استراتيجية تعتمد على تكافؤ الفرص والمساواة ومكافحة الفساد، والتفاعل بين العمليات السياسية والاجتماعية والعمليات المؤسسية الأخرى، لتقوية مشاركة الفقراء في العمليات السياسية واتخاذ القرارات على المستوى المحلي، وإزالة الحواجز الاجتماعية القائمة على الجنس أو العرق، والأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبيئي. وأرجع البنك الدولي أسباب الفقر والفشل الاقتصادي إلى شعور الناس بأنه لا يسمع لهم صوت، وأنهم لا حول لهم ولا قوة في مؤسسات الدولة والمجتمع.
ويمكن أيضا ملاحظة كيف تكونت لحظات للوعي منشئة لاتجاهات سياسية واجتماعية في بلادنا؛ مثل التحرر والاستقلال بين الحربين العالميتين. وفي هذا السياق، صعدت الحركات والاتجاهات الليبرالية والمقاومة والقومية، ثم التنمية والعدالة الاجتماعية، وصعدت في هذه الموجة الاتجاهات والجماعات اليسارية، ثم العودة إلى الدين والتراث وصعود الجماعات والاتجاهات السلفية والأصولية وجماعات الإسلام السياسي، والتي تطورت في اتجاه حالة من الكراهية والتطرف والإرهاب اجتاحت العالم. وفي "الربيع العربي"، صعدت اتجاهات المدن والمجتمعات المستقلة.
يمكن الرمز إلى البدايات والنهايات في الوعي بلحظات معينة. فالحرب العالمية الأولى أطلقت المجال لحركات التحرر والاستقلال والقومية. وكانت الحرب العالمية الثانية نهاية هذه الموجة، لتبدأ موجة التنمية والحقوق والحريات. وكانت حرب 1967 مؤشرا على صعود الجماعات والأفكار الدينية؛ وانهيار جدار برلين في العام 1989 مؤشرا إلى نهاية اليسار والشيوعية؛ وأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 مؤشرا إلى نهاية الإسلام السياسي وصعود الإسلام القتالي. وقد يكون الربيع العربي (2011) مؤشرا إلى نهاية الاستبداد والإرهاب!
(الغد 2016-10-06)