قولٌ على قول.. الكتب المدرسية!
عشرات الردود والتعليقات انهالت على مقالي أمس عن الكتب المدرسية. ويمكن القول إنّ 90 % منها ضد المقال، ويقف موقفاً سلبياً من وزير التربية والتعليم ومن التعديلات التي أُدخلت على الكتب المدرسية. وهو موقف عزّزه البيان الصادر مساءً (يوم أول من أمس) عن نقابة المعلّمين، وفيه إشارة إلى عشرات الآيات المحذوفة من الكتب المدرسية!
ثمة تعقيب أوّلي على تلك الردود، وهو دعونا نعتبر أنّ المؤتمر الصحفي للوزير أخرج جزءاً كبيراً من اللغط والتضليل من النقاش العام. وهذا أمر مهم لترشيد النقاش، بخاصة حول ما تمّ نشره من إدعاءات على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو الذي غلب عليها خلال فترة معينة، ما يجعل الحوار اليوم متأطراً بين جهات مختصة مثل الوزارة ونقابة المعلمين والمتخصصين.
الأمر الثاني يتمثل في أنّني استندت إلى أنّ الوزير ذكر أسماء عدد من العلماء المستقلين المعروفين، مثل د. محمود السرطاوي ود. سليمان الدقور، ود. خالد الكركي رئيساً للجنة النظر في كتب اللغة العربية. لذلك، سأؤجل مناقشة بعض زوايا الموضوع إلى حين اللقاء بالأساتذة الأفاضل، بخاصة أنّني سمعت أنّ هناك جملة من التوصيات والملاحظات لدى اللجنة.
لكن، مبدئياً، فإنّ كلا الموقفين (الوزير والنقابة) يطرحان تساؤلات جوهرية أضعها أمام الأطراف المعنية لتكون على طاولة الحوار.
التساؤل الأول فيما إذا كان ما ورد في بيان النقابة صحيحا، هو لماذا تجنب الوزير ذكره في المؤتمر الصحفي؟ هل هو غير مقتنع بذلك، أم أنّه خشي من تأويل هذا "الحذف"؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فمن يملك الدفاع عن التعديلات ووجهة النظر أو الفلسفة الثاوية وراء هذه "التعديلات"، بصورة جريئة وقوية، تواجه الرأي العام وتضع الحقائق والرؤية أمامه كاملة، وليست مجتزأة؟!
التساؤل الثاني موجّه إلى النقابة، التي أعدّت ورقة بعدد الآيات والأحاديث التي حُذفت، من دون أن تقدّم لنا قراءة علمية متكاملة لما تمّ، وبدائلها ورؤيتها هي لتطوير الكتب والمناهج؛ والسؤال هو: هل المسألة "كميّة"؛ أي تقاس بعدد الآيات والأحاديث وكبر المنهج، أم "نوعية"؛ ألا يمكن أن يكون تدريس عدد أقل من السور، أو وضع عدد أقل من الآيات بدلالات واضحة ومعان مفهومة تتناسب مع أعمار الطلبة، أفضل في أحيان من "حشو" الكتاب بكمّ كبير من الآيات من دون وجود فهم حقيقي وصحيح لها؟
التساؤل الثالث لمن يتخوّف على "الهوية الإسلامية" في الكتب المدرسية؛ عن أيّ هوية إسلامية نتحدث هنا؟ هل الهوية الإسلامية كتلة صمّاء أو مسألة هلامية أي شخص يمكن أن يعزف عليها، أم أنّ علينا التحدث عن هوية إسلامية معاصرة قادرة على اجتراح المعادلة المطلوبة من التفاعل بين الإيمان والعلم والقيم وواقع حياة الناس؟! وهل تقاس الهوية الإسلامية بالكمّ، أم بالسمات والخصائص المطلوبة؟!
لا أتحدث، هنا، عن التعديلات التي وضعت في كتب المدارس، فهي ما تزال تجريبية وجزئية، ولكن أتحدث عن الآراء العلمية التي من المفترض أن نسمعها من المتخصصين، والتي من المفترض أن تتجاوز القشور والجزئيات والكميّات إلى التفكير العلمي في تطوير الكتب المدرسية حضارياً وثقافياً، كي تكون قادرة فعلاً على انتشال التعليم العام من المستنقع الذي وقع فيه، لكن المعركة حالياً تدور في المساحات والمربعات الخاطئة تماماً، وتمّت "أدلجتها" من الأطراف كافّة!
أخيراً، أعجبني كثيرا تعقيب على صفحتي الخاصة، ملخصه هو أنّنا نتناقش عن "دعاء دخول الحمام"، لكن لا أحد يفكر بالذهاب إلى الحمامات في المدارس العامة، ليرى من يستطيع أن يدخل إليها أصلاً؟!
المطلوب إصلاح المنظومة التعليمية بأسرها، فهي متهالكة من مختلف الجوانب.
(الغد 2016-10-07)