"بلطجية" فوق القانون!

تم نشره الإثنين 10 تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:33 صباحاً
"بلطجية" فوق القانون!
محمد أبو رمان

برغم أنّ القصص التي أوردتها الزميلة د.حنان الكسواني، في تحقيقها "هرباً من تعقيدات التقاضي.. متضررون يلجؤون لـ"البلطجية" لتحصيل الحقوق" (أمس في "الغد")، ليست جديدة تماماً على نسبة كبيرة من القرّاء الذين سبق لهم أن سمعوا قصصاً شبيهة، فإنّها "توثّق" ذلك إعلامياً، وتسرد قصصاً تثبت هذه "الظاهرة" التي تأخذ صوراً متعددة ومختلفة في المجتمع.

أغلب التحقيق يتخصص في موضوع لجوء الأهالي إلى مبتزّين وبلطجية لتحصيل حقوقهم، هرباً من طول فترة التقاضي، أو ضعف إجراءات "التنفيذ القضائي"؛ ويقدّم نماذج على أساليب عمل هذه "العصابات"، مثل الهجوم على الطرف الآخر، أو إيقاعه في قضايا وتهديده بها للحصول على حقوق الطرف الأول، ويكون نصيب البلطجي والوسيط "عمولة" من المبلغ والقيمة المالية التي يتم تحصيلها، أو مبلغاً معيناً إذا كان الدافع هو الانتقام.

تلك الصورة سمعنا عنها من شهود كثيرين. وهناك صور أخرى، مثل تهديد الطرف الآخر، الذي يخشى اللجوء إلى "الدولة"، ما قد يؤدي إلى دخوله في "دوامة" مع أصحاب السوابق. أو فرض الأتاوات على بعض أصحاب المحال في مناطق معينة، ومن يرفض قد يتعرّض لانتقام شديد، عبر البلطجي وعصابته.

وهناك صور أكثر تطوراً في "البلطجة القانونية" -إن جاز التعبير- وصل إليها أشخاص أصبحوا يمتلكون "جاهاً اجتماعياً"، فيقومون بتوقيع عقود مع شركات وأفراد لتقديم خدمات وهمية، لكنّ الهدف الحقيقي من تلك الأموال هو الأمان من البلطجي نفسه، الذي أصبح يمتلك في بعض المدن والأحياء قاعدة علاقات اجتماعية واسعة مع نواب أو أعيان أو تجار، في حالة أشبه بالمافيات الاجتماعية غير المعلنة، وتبادل المنافع بين هؤلاء الأشخاص، ما يوفر "شبكة حماية" في حال تمّ استدعاؤه أمنياً؛ إذ تتدخل الوساطات والمحسوبيات في الدفاع عن "البلطجي"!

أصبح هناك أشخاص معروفون تماماً لدى الأجهزة الأمنية، يعمل لديهم أصحاب سوابق، ولهم شبكة من المصالح الاقتصادية، ويمتلكون معرفة بالقوانين والثغرات التشريعية والإدارية ويتفنون في التعامل معها، لذلك يهربون -في الأغلب- من العقوبات، فضلاً عن تجنّب المجتمع وأصحاب المصالح الاقتصادية سيناريو المواجهة معهم، ما يجعلهم بمثابة "سلطة غير مرئية" خارجة على القانون، تتمتع بوضع غير قانوني وغير أخلاقي، لكنّه معروف للمجتمع والسلطات الأمنية على السواء!

المفارقة أنّ كثيراً من النقاشات عن الدولة المدنية ودولة القانون، تذهب إلى زاوية الدين والحريات الشخصية، لكنّها تغفل هذه الزوايا الأكثر أهمية وخطورة اليوم؛ فكيف يمكن الحديث عن دولة مدنية ودولة المواطنة والقانون، وهناك صمت وتغافل عن هذه الظاهرة التي تمسّ ليس فقط رؤيتنا الكلية لمفهوم الدولة وقيمها وهويّتها، بل الحياة اليومية وشعور المواطنين بالأمن وإيمانهم بهيبة الدولة وتطبيق القانون.

بالطبع، يقترح الخبراء (في تحقيق الزميلة الكسواني) مجموعة من الإجراءات المرتبطة بحجم الضغط اليومي في القضايا المعروضة على القضاء، والثغرات التشريعية. لكن أولاً وقبل كل شيء، نحن بحاجة إلى قرار سياسي وأمني وإداري بإنهاء هذه الظاهرة، ووضع حدّ لها، كما حدث مع ظواهر "تنمّر" سابقة على القانون. فإذا وُجدت الإرادة وتوافر القرار، فإنّ الإجراءات الأخرى ستصبح ثانوية وفنية.

(الغد 2016-10-10)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات