الجنرال ماثيو والامبراطورة كاثرين !
حكاية لم يرد ذكرها في التاريخ لأنها من صميم الجغرافيا وكوارثها، فالجنرال ماثيو قتل قرابة الالف انسان في يوم واحد، ولو واصلت الامبراطورة كاترين مهمتها لأهلكت قارة ...
ان الفارق بين جنرالات التاريخ له وجنرالات الجغرافيا هو ان جنرال التاريخ له احلام في السطو والتوسع، لكن جنرال الجغرافيا يعلن حربه بلا اسباب، ولعلّ هذا الاحساس لدي دفعني الى الاحتفاظ بكتاب عنوانه انتقام الجغرافيا لمؤلفه « روبرت كابلان « بجواري، وهو من كتب قليلة لا تعاد الى الرفوف بعد الفراغ من قراءتها لان مناسبتها مستمرة .
فهل ما يحدث من تسوناميهات مدمرة واعاصير تحمل اسماء بشرية مستعارة هو انتقام تمارسه الطبعة ضد ابنائها العاقين ؟ فما الحقه البشر بالطبيعة من اذى يستحق العقاب، لأن الانسان لا يكافأ على ما يقترف من جرائم !
وحين نقرأ احصاءات عن الافرازات البشرية الشامّة التي تلوث الفضاء نصل الى السبب الذي يبطل العجب، ومن استبدلوا الحدائق التي تشبه الرئات بالاسمنت والحديد عليهم ان لا ينتظروا المطر من سحابات الغبار، والعلماء الذين قرعوا الاجراس وبُحّت اصواتهم من الصراخ محذرين من عواقب هذا العقوق البشري للطبيعة ذهبت اصواتهم سدى، لأن العالم قرر ان يملأ اذنيه بالطين والعجين كي لا يسمع ما لا يروق له سماعه !
اذكر اننا حين كنا صغارا في القرى كان كل ما نأكله ونشربه ونتنفسه عضويا ومن صميم الارض وبعد ان امتلأت رؤوسنا بالشيب اصبحنا نطرق كل الابواب ونطوف الاسواق بحثا عن رغيف يشبه ذلك الرغيف وبيضة تشبه تلك البيضة، وفاكهة تذكرنا بما كانت تفوح رائحته لمجرد ان يُجرح ان يكشط بطرف الاظفر !
ان آباءنا لم يجنوا علينا كما قال المعري بل نحن الذين جنينا على انفسنا حين قررنا ان نبلغ بالغش حدا لا تملّ منه حتى نفوسنا، ان ما يحدث هو انتقام مشروع من الجغرافيا ضد من استباحها وظن انه سيد الكائنات وتشاء المصادفة ان يمارس التاريخ ايضا انتقامه ممن لم يقرأوه، وها هو يحكم عليهم باعادة كوميديا الاخطاء التي ارتكبها اسلافهم !
(الدستور 2016-10-10)