حكاية مصباح أبو صبيح.. أسد القدس
للبطل حكاية تروى، ولأسرته الرائعة أيضا. هو مصباح أبو صبيح، ذلك البطل الذي عانق بدمائه القدس يوم الأحد الماضي، بعد أن عانقها مرارا قبل ذلك، ودافع عن أقصاها، وضُرب واعتقل مرارا.
كان عاشقا للقدس والأقصى، يسكن في سلوان، ليس بعيدا عن رائحة العشق الأبدي، هنا في الأرض التي بارك الله حولها، وله فيها صولات وجولات، توثق بعضها الكاميرات.
الصهاينة يقولون إنه انتقل فجأة من اللكمات إلى الرصاص. وكان يوم الأحد على موعد مع تسليم نفسه ليعود إلى السجن من جديد، هو الذي اختبره مرارا بسبب دفاعه عن المسجد الأقصى.
الصهاينة يندبون حظهم في العجز عن منع عمليته البطولية التي قتلت شرطيا ومستوطنة، وجرحت ستة آخرين، فقد قالوا إن أعلام حماس كانت ترفرف في الاحتفال بخروجه من السجن في المرة الماضية.
مؤخرا صدر قرار بإبعاده عن الأقصى، ثم قرار بالاعتقال، فأصر على أن يعانقه شهيدا رائعا، ويعلن للعالم أجمع أن على هذه الأرض قوم لن يسلموا أقصاهم ولو سالت الدماء أنهارا.
كان الشهيد يرتدي دائما قبعة كتب عليها “لن نرحل عن قدسنا”، هو الذي كان كثير التردد على المسجد الأقصى، ويعمل على خدمة المصلين والدفاع عن المرابطين.
في منشوره الأخير على صفحته بفيسبوك وعنوانها: “مصباح أبو العز”، كتب بعد قرار إبعاده عن القدس: “كم أشتاق لعشقي، لحبي. كم أشتاق وكنت أتمنى لو كنت آخر ما أراه وأقبله وأسجد على ثراه، أقبل ترابك وأصلي فيك، ولكن هو الظلم وهم الظالمون، لن أشتاق لأحد كاشتياقي إليك، لن أحب أحدا كحبي لك. رغم سجونهم، وحقدهم، وجبروتهم وطغيانهم، حبي لك يزداد. قالوا 4 أشهر سجن لحبي إياك، قلت والله قليل، فعمري وحياتي وكل مالي فداه، إن لم أستطع الوصول إليك بجسدي، فروحي وقلبي وعيوني ما فارقتك وما تركتك وما نسيتك، الحب الأكبر والعشق الأبدي حتى الممات”.
وفي نهاية منشوره الذي كان بمثابة كلمة الوداع قال: “الأقصى أمانة في أعناقكم فلا تتركوه وحيدا”.
هذا هو مصباح أبو صبيح “أبو العز”، الذي سلك درب العز، بينما كان آخرون يعزّون الغزاة في قاتل شعبنا، ويتباكون عليه كما لو كان منقذا، فيما تجد أشقياء يدافعون عن ذلك ويسمونه “هجوما دبلوماسيا”!!
أما ابنة الشهيد (إيمان) ذات الأربعة عشر ربيعا، فكانت كما أراد لها والدها الشهيد، فأعلنت فخرها بعمليته البطولية، وتمنت أن يكون شفيعا لها ولأهلها، وأن تلقاه في الجنة. روت حكايتها مع وداع الوالد الذي كان يُفترض أن يسلم نفسه للاحتلال كي يقضي عقوبة جديدة بالسجن، وإذ به يذهب في اتجاه آخر، ليروي بدمه الطاهر تراب القدس، ويمضي إلى ربه شهيدا، تاركا الأمانة في أعناق الآخرين، والذين لن يخذلوا القدس وأقصاها بإذن الله.
لن نعيد الكلام السياسي عما يجري في ساحة القضية، والتيه الذي يأخذها إليه قادة يعزّون في قاتل الشعب. لن نفعل ذلك حتى لا نفسد احتفالنا بالشهيد وروعة الشهادة. سلام عليه وعلى القدس والأقصى، وعلى كل الشهداء إلى يوم الدين.
(الدستور 2016-10-15)