القدس بين الأردن وإسرائيل!!
في المعلومات ان هناك توترا شديدا في العلاقات بين الاردن واسرائيل، وهذا التوتر يصل الى هذه الدرجة، للمرة الأولى، على المستوى السياسي، منذ معاهدة وادي عربة، بما يصح وصفه بتدهور كبير في العلاقات بين الطرفين.
ولا نستغرب ابدا، ان تكون هناك حملة سياسية - اعلامية اسرائيلية ضد الاردن، الفترة المقبلة، اذ إن ما جرى في باريس، قلب كل الحسابات الاسرائيلية، بعد ان تلقت تل ابيب صفعة شديدة سياسيا، وهي صفعة لن تمررها في كل الاحوال، وسوف نسمع ارتدادها اسرائيليا واميركيا.
اكثر من ثلاثة اشهر، والاردن يشتغل على اصدار قرار من اليونسكو، بخصوص المسجد الاقصى، وبرغم ان القرار، لن يحرر القدس غدا، الا انه نسف كل الرواية الاسرائيلية التوراتية حول القدس، التي يتم بيعها للعالم، وهدم كل البنية الدينية والثقافية والسياسية، التي تدعيها اسرائيل بخصوص القدس، وهذا يعني مجددا نسف كل ادعاءات اسرائيل بخصوص القدس، وصلتها بتاريخ اليهود، الذي يتم الترويج له.
اتصالات الاردن كانت مع اكثر من سبعة وخمسين دولة، في اليونسكو، وتل ابيب كانت عبر بعثتها في باريس، تلاحق هذه الاتصالات، وتحاول تخريبها وافسادها، من اجل منع صدور القرار الذي صاغته عمان، وشاورت فيه الفلسطينيين، من حيث اللغة والمضمون والصياغات، والقرار يدمج بين الاقصى كمسجد من جهة وكل الحرم القدسي الشريف، باعتبارهما «وحدة واحدة» وهذا يعني اعتبار 144 دونما هي مساحة الحرم القدسي الشريف، بمثابة اقصى، لا يحق لليهود فعليا تقاسمها زمنيا ولامكانيا، مثلما تخطط اسرائيل، اضافة الى نفي اي صلة لليهود بالحرم القدسي، وحائط البراق، وهذا النفي، يلغي كل الرواية التوراتية اليهودية، التي تسعى تل ابيب لتثبيتها، اضافة الى ان القرار، يندد بعرقلة اسرائيل لاكثر من 18 مشروع اعمار اردنيا، للاقصى، ويطالب بإجبار اسرائيل على تنفيذ هذه المشاريع، مع نقطة اخرى، ترفض اي اجراءات على اسماء المواقع الاثرية والشوارع، وتسميتها بأسماء جديدة، ومحو هويتها الاصلية.
برغم ان القرار، يعد سياسيا ومعنويا، ولا بعد اجرائيا له، الا انه اثار هستيريا اسرائيل، التي اوقفت التعاون مع اليونسكو، وخرج نتنياهو وغيره من مسؤولين اسرائيليين، للتنديد بغضب بالغ بهذا القرار، والاغلب ان اسرائيل لن تقف عنده، وستواصل عملياتها في القدس، نكاية بالقرار، وربما تعمد الى اجراءات تصعيدية الفترة المقبلة، ازاء الاردن، وتجاه المسجد الاقصى، من باب رد الفعل.
لا يعرف كثيرون، ان سفير اسرائيل لدى اليونسكو، وفي الجلسة المغلقة، إثر التصويت على القرار، القى كلمة حادة، ضد القرار، ووجه اهانات لفظية غير مسبوقة، ضد الدول التي صوتت لصالح القرار الاردني، وهي اهانات بقيت بعيدة عن تداول الاعلام.
الاردن ليس عضوا في المجلس التنفيذي لليونسكو، وسيكون كذلك العام المقبل، لكنه بعد تجهيز القرار، شاور كل الاعضاء العرب في المجلس التنفيذي لليونسكو، من اجل تقديمه للتصويت والاعتماد، عبر هذه الدول، ووجه الخطورة المقبل على الطريق، ان الاردن سيعاود تقديم القرار ذاته للتصويت بعد فترة، مع ارفاق كل الانتهاكات التي سوف تستجد خلال هذه الفترة، وهذا امر يجري دوما في اليونسكو، والمخاوف تتعلق من حملة سياسية ودبلوماسية سوف تشنها اسرائيل ضد التصويت المقبل على القرار، لتجديده، مع الانتهاكات المستجدة والمرفقة معه، والارجح ان مرحلة ما بعد وقف التعاون مع اليونسكو، سوف تشهد هذا التصعيد.
في نظر كثيرين، تعد هكذا قرارات لا قيمة لها، كون تل ابيب تواصل مخططاتها، ولا تأبه بالقرارات الدولية، والاردن كان حصل على قرارين مطلع الثمانينيات، الاول يعتبر القدس مدينة من مدن التراث العالمي، وقرار اخر يعتبر القدس، من مدن التراث العالمي المهددة، والواجب حمايتها فعليا من التغييرات الاسرائيلية.
الفرق بين هذا القرار وكل القرارات التي صدرت لاجل فلسطين، والقدس حصرا، ان اهم منظمة عالمية معنية بالحضارات والاثار والثقافة، تنفي صلة اليهود بالقدس والحرم القدسي الشريف، وتثبت هوية المدينة من زاوية «الحرم القدسي الشريف- الاقصى» باعتبارها اسلامية، واعتبارهما كلمتين مترادفتين متكاملتين يحملان المعنى نفسه، فوق اعتبار ان الاقصى وكل الحرم القدسي الشريف الممتد على 144 دونما، «وحدة واحدة» في توقيت تلمح فيه اسرائيل الى احتمال اقامة هيكل سليمان في جزء من مساحات الحرم القدسي الشريف الفارغة والمحيطة بالاقصى ومسجد قبة الصخرة.
على الرغم من الاراء السلبية التي تتحدث عن القرار باعتباره مجرد محاولة تبريد للرفض الشعبي بخصوص اتفاقية الغاز، الا ان هذه الاراء غير عميقة ابدا، والواضح ان عمان تقول لاسرائيل، ان ملف القدس والاقصى، ملف مختلف تماما، لا يمكن تسويته، او التعامي عنه..
علينا ان نتوقع تداعيات كثيرة لهذا القرار، اذ إن اسرائيل لن تغفر للاردن، اصدار مثل هذا القرار، من منظمة مثل اليونسكو، وهي التي نزعت شرعية كل الرواية اليهودية بخصوص الاقصى، والحرم القدسي الشريف، امام العالم، والادعاء بوجود هيكل سليمان في تلك المنطقة، ولننتظر الذي ستأتي به الايام، بعد ان نسفت اليونسكو، كل الرواية الاسرائيلية، للمدينة والمكان، وتاريخهما.
(الدستور2016-10-16)