سؤال مقلق .. ماذا بعد الموصل ؟
وسط هذا الاستعداد العراقي الاقليمي الدولي لمعركة تحرير الموصل ، يتردد سؤال كبير بلا اجابة واضحة ، هو : ماذا بعد تحرير الموصل ؟
قبل الحديث عن حرب الموصل ، التي يعتبرها المشاركون معركة كبرى فاصلة ، أي ( أم المعارك ) ، تذكرت عبارة كتبها شاعر الاردن مصطفى وهبي التل ( عرار ) قبل ثمانين عاما ، هي أقرب الى الحكمة ، قال : « لا يأتي من الغرب ما يسر القلب « .. والغرب المشارك في تحرير الموصل ، بمشاركة رمزية اميركية ، هو الذي خلق هذا الواقع المر، ليس في العراق فحسب ، بل في الصومال وليبيا واليمن والعراق وسوريا ، وهو المسؤول المباشر عن خلق داعش والسلالة المتطرفة في كل البلاد العربية .
الحقيقة التي يعرفها العراقيون ، هي حتمية اقتلاع التنظيمات المتطرفة من العراق ، وانهاء ازمة الموصل المحاصرة من كل الجهات ، ويشارك في فرض هذا الحصار الجيش العراقي والحشد الشعبي ، وقوات البشمركة الكردية ، والقوة التركية المتواجدة في الشمال العراقي بالاكراه ، والقوات الاميركية المتوفرة مع طائراتها ، ولكل فريق هدفه ونواياه ومقاصده ، أي أن كل طرف يريد حصته من الغنيمة ( الموصل ) المدينة العراقية العربية التاريخية .
نعم ، الضحية ستكون المدينة ، أما تنظيم داعش فسيخرج سالما ، حيث سيتم ، وبضغط أميركي ، فتح ممر آمن ( كوريدور ) أمام مسلحي التنظيم للخروج من المدينة باتجاه الأراضي السورية ، حيث يكمن الدور ألأهم والأكبر لهذا التنظيم ، ويتمثل بالقتال في سوريا لأسقاط النظام وتفكيك الدولة ، وفرض مشروع التقسيم باقامة الحكم الفدرالي على قاعدة طائفية وعرقية ، وهوالهدف الغربي ألأول والأخير .
وما نخشاه ايضا ، بعد تحرير الموصل ، هو ان يستخدم الجيش الأميركي قواعده في العراق منصة لقصف مواقع الجيش السوري من الجو ، كما حدث في دير الزور في وقت قريب مضى ، بهدف اضعاف ، أو شل ، حركة الجيش السوري ، وعرقلة تقدمه في حلب وحولها ، لتمكين التنظيمات المتطرفة من البقاء والثبات في مواقعها ، وخلق أمر واقع جديد ، في حال تم الاتفاق على هدنة ، أو توافق دولي على وقف اطلاق النار .
اما بالنسبة للعراق ، بعد تحرير الموصل ، فهذه مسالة اخرى ، هي اكثر تعقيدا ، لأنني على يقين بأن ألازمة تاريخية وليست جغرافية ، وليس لها علاج في المدى المنظور ، ولن تكون معركة الموصل خاتمة الاحزان ، لأن المليشيات الحزبية الطائفية ، اصبحت اقوى من الدولة ، أو أنها ستكون أقوى بعد معركة الموصل ، وستتغوّل على النظام . وسبب مأساة العراق الراهنة ، التي امتدت من لحظة احتلال بغداد حتى هذه الساعة ، يكمن في حالة الأنكار التي يعيشها النظام العراقي الجديد ، ورفض الاخر ، وعدم التسامح بتحقيق المصالحة الوطنية والمشاركة ، ولأن الحكام الجدد في بغداد ظلوا اسرى شهوة الأنتقام .
اعتقد أن تحرير الموصل ، وهزيمة داعش ، أو هروبه ، لن ينهي الصراع الأهلي ، أوحالة التوتر في العراق ، ولن يحقق الأمن والأستقرار في بغداد ، ومن يظن عكس ذلك فهو واهم ، خصوصا اذا لم يتم ايجاد حل سياسي جذري للازمة . لذلك يجب أن يوجد في بغداد من يمتلك الشجاعة لتحقيق الحل الواقعي ، لأن التعصب والأنحياز الى الانتقام في مقدمة ألد اعداء العقل والفهم الصحيح .
اخيرا اقول انه أصبح من السهل تحرير الموصل وكسب المعركة ضد التنظيم الارهابي . ولكن على رئيس الحكومة حيدر العبادي أن يتذكر قول الفيلسوف والحكيم الصيني سون تزو صاحب كتاب ( فن الحرب ) الذي نشر في الصين قبل الميلاد بستمائة عام ، وما زال يدرس في الأكاديميات العسكرية حتى اليوم ، الذي قال : « الأنتصار في المعارك ليس هو النجاح التام . النجاح الحقيقي هو ان تكسر مقاومة عدوك ، او خصمك ، دون قتال « . المشكلة ما زالت قائمة في العراق فهل ينجح حكام بغداد في تحقيق الانتصار النهائي بايجاد حل شامل عادل ودائم للمشكلة ، واعادة العراق الى العراق ؟ هذه هي المسألة ..
(الرأي2016-10-17)